بشهادة أحداث التاريخ، وحدود الجغرافيا، تحفل أرض المملكة بتراث مادي وإنساني ضخم ومتنوع، يختزن حقباً من تاريخ الجزيرة العربية، وما شهدته على مر العصور من حضارات غنية، بغنى عناصرها، من تقاليد وتطور حضاري ثقافي وعمراني، مع النمو المستمر في الفنون البصرية والموسيقية والأدائية، وتماشى ذلك جنبًا إلى جنب مع حركات الإنتاج الفني في النشر والتأليف الأدبي والفكري.

في وقت مبكر من تأسيس المملكة عام 1932، أدرك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- أهمية المحافظة على تراث البلاد، وحمايته من أخطار التشويه والاندثار، لذلك سارع -رحمه الله- بتكثيف الجهود للحفاظ على التقاليد والثقافة العربية، وعلى النهج نفسه، سار أبناؤه الملوك، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالتزامن مع إطلاق رؤية 2030 التي بلورت آليات الحفاظ على التراث السعودي واستثماره بشكل علمي جاد.

ولطالما حرصت المملكة على تطوير التراث والثقافة بشتى السبل، ولذلك أنشأت مؤسسات وهيئات عدة، سخّرت جهودها من أجل هذا الهدف.. وقد دفع اهتمام المملكة بالآثار دون غيرها، إلى إقامة فعاليات "قمة العلا العالمية للآثار"، التي أثمرت عن إطلاق "جائزة قمة العلا العالمية للآثار للتميز الأثري"، الهادفة إلى تطوير علم الآثار، والابتكار في المجالات الأثرية والتراث الثقافي.

وجاءت القمة حاملة هدفاً محورياً، تصبح معه منصة عالمية أولى في قطاع التراث الثقافي وعلوم الآثار، تجسيدًا لما تزخر به محافظة العلا من ثراء ثقافي وإرث إنساني، وأصول ثقافية، صاغتها حضارات متعاقبة منذ أكثر من 200 ألف عام.

الجدوى من فعاليات قمة العلا، يترجمها استقطاب 300 شخصية علمية من 39 بلداً، بحثوا جمعياً عن سبل تطوير التقنيات الخاصة بالحفاظ على التراث، ودعم الاكتشافات الأثرية الجديدة، والاحتفاء بخبراء وعلماء الآثار الشباب ودعمهم.

وبالحديث عن حماية الآثار، لا يمكن أن نغفل دور هيئة التراث، واستراتيجية عملها في حماية وإدارة وتمكين الابتكار والتطوير المستدام لمكونات التراث الثقافي، ولهذه الهيئة ركائز إستراتيجية، ومنها الحماية والمحافظة على الثروة الثقافية والمواقع الأثرية وإدارتها بفعالية، وتعزيز الأبحاث وتنمية المواهب المتخصصة في التراث، واستخدام التقنيات الرقمية في سلسلة القيمة التراثية، ووضع الأنظمة واللوائح المناسبة وإصدار الرخص، كل هذا يعطي مؤشرات إيجابية بتعزيز التراث السعودي، وإمكانية توظيفه في مشاريع سياحية وترفيهية، تدر أرباحاً وفيرة على خزينة الدولة.