الأقدار مكتوبة منذ الأزل، وما أصاب ليبيا مأساة تدمى لها القلوب، كأن لم تكفها أعاصير السياسة، ورياح التقسيم، لتأتي الطبيعة وتضع بصمتها، وتمر على شرق ليبيا مخلفة الموت والشتات والآلام، ولعل ليبيا إحدى أسوأ ضحايا الربيع المشؤوم حظا، فقد باتت في وضع من السوء ليبدو معه عهد معمر القذافي بكل خطاياه، وارتكاباته، أفضل من هذا التيه، والتشرذم الذي تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد.

تعيش ليبيا بسلطتين، وربما أكثر، وهذه وصفة لضياع الدولة، وفقدان البوصلة، وجاءت العاصفة "دانيال" لتفضح تهافت الحكم، وتقاعس السلطات، حيث أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أنه "كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا" وإنه "كان بالإمكان إصدار إنذارات، لكانت هيئات إدارة الحالات الطارئة تمكنت من إجلاء السكان، وكنا تفادينا معظم الخسائر البشرية".

كما كشف الإعصار المدمر، وحدة الشعب الليبي، على خلاف حكامه، أو بالأحرى المتصارعين على حكمه، فقد هب الليبيون من شتى أنحاء الجماهيرية، لنجدة أشقائهم في الوطن، متعالين على نعرات القبلية، وفتن السلطة، ومكاسب الرابحين من استمرار النزيف الليبي، وهرعوا لإغاثة المنكوبين، والمشاركة في دفن الضحايا، فوحدتهم المأساة، بعدما فرقتهم السياسة، وأحلام السلطة.

نعم إنها كارثة مؤلمة، والوقت وقت مؤازرة وإغاثة، وتضميد لجراح المأساة، لكن بعد أن يزول غبار العاصفة، وتلتئم جراح المنكوبين، الجسدية على الأقل، فإن واجب الوقت سيكون لإنهاء هذا الدائرة الجهنمية التي تدور ليبيا وشعبها في رحاها منذ 12 عاما، والعمل على استعادة الدولة، وإنهاء أحلام الميليشيات، وأوهام النفوذ، وأول طريق الحل، مواجهة أي أجندات أو تدخلات خارجية، والعمل لتوحيد الصف الليبي، ونبذ النعرات، والرغبات للاستئثار بالسلطة، على قاعدة بسيطة، أن لا رابح في حرب الأخوة، وأن طريق السلام أمام ليبيا يبدأ بالتوافق والحوار، ولعل كارثة الإعصار توقظ الضمائر، فمن رحم الآلام يولد الأمل.