ركز تقرير صندوق النقد الدولي الصادر هذا الأسبوع بشكل كبير على أزمة الديون المتراكمة في الصين، وهذا أمر طبيعي جداً، لأن عطسة التنين ليست ككل العطسات، فهي تؤثر في الاقتصاد العالمي ككل، فضلاً عن أن ملف الديون عموماً يثير شهية المحللين للتدقيق، وخاصة أنه يأتي في توقيت حساس لبكين، حيث ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بواقع 12 نقطة مئوية، إلى 282 في المئة، وهذا أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 256 في المئة، وهذا سيؤدي نظرياً إلى مزاحمة عبء سداد فوائد الديون للمشكلات الاقتصادية المتفاقمة، لكن مخاطر هذه الأزمة لن تتحول لعدوى عالمية، بل ستبقى في الحيز الإقليمي، وتحديداً الدول المجاورة، لأن تراجع النمو الصيني إلى 4.8 في المئة هذا العام، وفقاً لتوقعات بيوت الخبرة العالمية، سيكون له تأثير أكبر على مصدري السلع الأساسية في الاقتصادات الآسيوية الناشئة.
يشعر المستثمرون بالقلق بعد أن فقد النمو الصيني قوته خلال الصيف، ومع ذلك، أرى أن هناك 5 نقاط مضيئة ستوفر الزخم المطلوب للعودة بالاقتصاد الصيني إلى مساره المعتاد، الأولى هي أن النمو لم يتوقف أو ينهار، بل تباطأ فقط، إذ بلغ النمو الصيني على أساس سنوي 5.5 في المئة خلال النصف الأول، وهو بذلك أعلى من نمو معظم البلدان المتقدمة، ونقطة السطوع الثانية، تكمن في متانة الاقتصاد الصيني ورسوخه، ولهذا، من المستبعد مثلاً أن تمر بكين بأزمة خطيرة مثل لحظة انهيار بنك ليمان براذرز، لأن الديون الحكومية مستحقة بشكل أساسي للدائنين المحليين، بما في ذلك البنوك المملوكة للدولة، وهذا يمنح السلطات مجالاً أكبر للمناورة والحد من المخاطر، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال تخفيف قواعد الرهن العقاري، وتوسيع نطاق استرداد الضرائب لمشتري المنازل بهدف دعم سوق العقارات المتعثر.
أما النقطة الثالثة المضيئة للاقتصاد الصيني، فتكمن في وجود قطاعات ذهبية تعودت على الازدهار في أحلك الظروف وأصعبها، وهذه تثير شهية المصنعين المحليين في الاعتماد على الذات في مواجهة العراقيل الغربية، وفي مقدمتها قطاع الطاقة المتجددة، وأبرزها بطاريات الليثيوم، والخلايا الشمسية، والسيارات الكهربائية، باعتبارها محركاً جديداً محتملاً لدفع النمو، ويكفي أن نعلم أن 6 من أكبر 10 منتجين لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم هم من الصين، وهؤلاء يستحوذون على 60 في المئة من السوق العالمية، بالإضافة إلى أن البلاد تستثمر بكثافة في التكنولوجيا الحيوية، وخاصة الذكاء الاصطناعي، وصناعة التكنولوجيا الفائقة التي سجلت ارتفاعاً بنسبة 12.5 % في النصف الأول.
والنقطة الرابعة المضيئة، هي تلك الإصلاحات الهيكلية الجارية على قدم وساق، والتحدي الحقيقي يتمحور حول الانفتاح وتحسين الثقة في السوق، ومن دون ذلك، فإن المقرضين سيترددون في ضخ الأموال في الاقتصاد الحقيقي، ونعتقد أن لدى الصين ضرورة ملحة في التحول من النمو المدفوع بالتنمية العقارية والبنية التحتية إلى نموذج جديد يتميز بالتقنيات المتطورة، أما النقطة المضيئة الخامسة، فتتعلق بالإجابة على سؤال محوري: هل الصين معرضة لخطر التحول إلى يابان أخرى؟، وذلك عبر تكرار سيناريو الركود الياباني الذي دام عشر سنوات بعد انفجار فقاعة أسعار الأصول بنهاية عام 1989، وهذا تحدٍ صعب في ظل المخاطر الجيوسياسية وتزايد عزوف المستثمرين الأجانب عن المخاطرة، ومع ذلك، لا تزال الصين تتمتع بقدرة مالية أكبر بكثير، وهذا يعني أن أزمة الديون قد لا تكون بالضرورة وشيكة، وإذا تمكنت السلطات من تعزيز نمو القطاع الخاص بشكل فعال، فإن استرداد الثقة سيوقف المزيد من التباطؤ الاقتصادي، وربما يكون الالتزام بالنمو الجديد القائم على الإبداع التكنولوجي علاجاً حاسماً لأزمات التنين الصيني.
التعليقات