تعد البيلة الدموية من أكثر المظاهر السريرية شيوعاً، والتي تبث الخوف والقلق لدى الأهل وأحياناً الطفل وتدفعهم لمراجعة الطبيب على الفور، كما أنها أيضاً تشكل تحدياً كبيراً للطبيب المعالج من ناحية التشخيص الصحيح وتطمين الأهل.
وتتعدد أوجه البيلة الدموية لدى الأطفال، فقد تكون على شكل بول دموي ظاهر (معاين) وهو ما يلفت نظر الأهل أو الطفل المدرك أو قد تكون على شكل بقع حمراء على الملابس الداخلية أو الحفاض تكتشف عند الغيار، كما قد تكون مجهرية ولا تكتشف إلا عند إجراء تحليل للبول لسبب ما أو لآخر.
وعند الحديث عن البقع الحمراء المشاهدة في الملابس الداخلية للطفل يجب التأكد من مصدرها والذي قد يكون من البول (البيلة الدموية) أو مجرى البول (من الإحليل بدون أن تكون مخلوطة مع البول) أو قد يكون مصدرها خارج الجهاز البولي مثل جرح سطحي في الجلد أو تسربات من الجهاز الهضمي.
ورغم أن معظم المختصين في جراحة المسالك البولية عند الأطفال يعتبرون البيلة الدموية عند الأطفال غير مؤذية كونها لا تمثل أية آفة خطيرة في الجهاز البولي وأنها قد تختفي تلقائياً بدون علاج بعد بضعة أشهر، إلا أنها وفي أحيان نادرة قد تكون عرضاً لمشكلة صحية كبيرة تهدد صحة الطفل، وهنا تكمن أهمية التوجه للطبيب المختص في الجهاز البولي لتفادي إجراء الكثير من التحاليل والأشعة وغيرها من الإجراءات الطبية التي لا حاجة لها والتي قد تكون أخطر من المرض نفسه فضلاً عن إزعاجها وتكاليفها الباهظة. فالتشخيص الأمثل يجب أن يتركز على أقل عدد من التحاليل للتحري عن سبب البيلة الدموية وكشف مصدرها ليتسنى للطبيب المعالج أن يعيد طمأنة الأهل ويوجه العلاج المناسب إلى السبب نفسه.
وقبل الحديث عن هذا الموضوع أود أن ألفت عناية الأخوة والأخوات متابعي العيادة أن المقصود بالتشخيص والعلاج هنا هم فئة الأطفال وليس البالغين والذين سبق الحديث عن البيلة الدموية لديهم في عيادة سابقة يمكن الرجوع إليها لزيادة الإيضاح. كما تجدر الإشارة إلى أنه عندما يكون لون البول أحمر فذلك لا يعني دائماً وجود دم فيه وهو ما أشرنا إليه في عيادة سابقة لأن هنالك بعض المأكولات والعقاقير والحالات الطبية الأخرى التي قد تغير لون البول إلى الأحمر ولا تعني وجود بيلة دموية ومن هذه المأكولات البنجر والشمندر وثمر العليق والفلفل الحلو والرواند وهو عشب من الفصيلة البطاطية والمواد الملونة للأطعمة مثل «الرودامين».
كما قد يتغير لون البول للأحمر بسبب بعض الأدوية مثل بعض المضادات الحيوية.
وأما بالنسبة إلى الحالات الطبية التي قد تغير لون البول إلى الأحمر بدون وجود أي دم فيه فأهمها إفراز كمية عالية من «اليورات» والتسمم بمادة الرصاص والتهاب البول بجرثومة «سيراتيا».
كشف مصدر البيلة الدموية:
إن أخذ بعض المعلومات من أهل المريض وفحص الطفل سريرياً بشكل كامل وإجراء تحليل مجهري ومزرعة للبول يشكلون الركائز الأساسية للتشخيص.
أما مصدر البيلة الدموية لدى الأطفال فيمكن أن تضيفه إلى ثلاث فئات رئيسة: أولها الأمراض التي تصيب أنسجة الكلية، وثانيها تشوهات وآفات الجهاز البولي والتناسلي، وثالثها الحالات الطبية المجموعية التي تشمل أمراض الدم. وأغلبية الحالات تقع في الفئة الأولى التي تشمل التهاب كبيبيات الكلى والاعتلال الكلوي المناعي اللذين يظهران بعد نحو يوم إلى أسبوع من الإصابة بإلتهاب حاد في اللوزتين أو الحلق مع أعراض مصاحبة كالبيلة الدموية والبيلة البروتينية وارتفاع الضغط الدموي وحصول ودمة عامة في الجسم وعند تحليل البول تظهر أسطوانات دموية تحت المجهر.
ومما يساعد على تشخيص هذه الحالة بسرعة وبأقل عناء كشف كرويات حمراء مشوهة في البول نتيجة مرورها عبر الغشاء القاعدي لكبيبات الكلية، وذلك يشير إلى تشخيص الالتهاب المناعي الحاد لتلك الكبيبات.
ومن الأسباب الأخرى لحصول البيلة الدموية في الفئة الأولى إصابات (رضح) الكلية أو القيام بالرياضة المتواصلة والعنيفة والالتهاب الكلوي والأمراض الكلوية الوراثية التي تشمل الحصيات والتكيسات وزيادة تركيز الكالسيوم في البول. ولتأكيد تشخيص سبب الدم في البول يجري الطبيب تحاليل على الدم التي قد تشير إلى تشخيص التهاب الكبيبات الحاد وأشعة صوتية للكلى والمسالك البولية والمثانة ليستثنى وجود تشوهات أو آفات أخرى.
وأما الفئة الثانية فهي تتضمن عدة أمراض كإلتهاب المثانة والإحليل وسرطان الكلية (Wilms Tumor) وانسداد حوض الكلية والحالب والصمام الإحليلي وضيق وإلتهاب الإحليل البولي وحصيات الكلية والحالب والمثانة وارتجاع البول من المثانة إلى الكلية وغيرها. ومن الحالات الشائعة عند الأطفال والمراهقين حصول بيلة دموية في آخر التبول مع حرقان في البول أحياناً وبقع دموية على الثوب أو السروال الداخلي، ويتم تشخيصها عادة بإجراء تحليل مجهري ومزرعة للبول والتي تكون عادة سلبية وينصح بعض الإخصائيين باستعمال الأشعة الصوتية على الكلى والمثانة للتأكيد عن عدم وجود آفات أو تشوهات فيها. ويجمع الخبراء حول عدم ضرورة إجراء تنظير للمثانة أو فحوصات أخرى لتشخيص هذه الحالة الحميدة التي تظهر عادة في أيام الربيع والخريف وتمثل إلتهاباً غير جرثومي في الإحليل وقد تستمر لعدة شهور وأحياناً سنوات بدون أن تشكل أي خطر على المريض وتختفي تلقائياً بدون أي علاج.
وأما الفئة الثالثة فهي تشمل الاضطرابات النزفية وابيضاض الدم وتشوهات الصفيحات الدموية وغيرها من الأمراض التي تسبب سيولة متزايدة في الدم. وتشخيص هذه الحالات يتم بتحاليل الدم المتقدمة ويحال هؤلاء المرضى إلى أخصائيي أمراض الدم للأطفال.
معالجة البيلة الدموية لدى الأطفال
المعالجة تتم حسب السبب وفي أكثر الحالات لا داعي لأي علاج بل المتابعة الدورية وإجراء تحاليل البول خصوصاً في حالة التهاب الأحليل البكتيري أوالبيلة الدموية الوراثية الحميدة وبعض حالات التهاب كبيبيات الكلية الحاد. ومن المهم استشارة طبيب الكلى والجهاز البولي للأطفال لتشخيص ومعالجة أمراض الفئة الأولى، وأما في الفئة الثانية -مع ندرتها بفضل الله- فقد تحتاج بعض هذه الحالات كأورام الكلية والمثانة إلى استئصال جراحي كامل لتلك الأعضاء مع علاج كيميائي أو إشعاعي أو تصحيح الانسداد في القنوات البولية أو معالجة الحصيات طبياً أو جراحياً، ومعالجة الإلتهابات البولية الجرثومية بالمضادات الحيوية. وأما الأطفال الذين ينتمون إلى الفئة الثالثة فيجب تحويلهم إلى طبيب الأطفال المختص في أمراض الدم لتثبيت التشخيص والمعالجة.



التعليقات