إن الله جميل يحب الجمال. فهذا العمر وهذه الدنيا وهذا الخيال يجب أن نجعلها جميلة، وليست مكتئبة ولا حزينة، كما يحب أحدنا أن يرى في منامه حلمًا جميلاً ولا يحب أن يرى حلمًا مفزعًا، فالخيال الجميل والحياة الجميلة أنت من يصنعهما..
العيش نومٌ والمنيةُ يقظةٌ
والمرء بينهما خيالٌ سارِ
كان هذا بيتًا من رائية طويلة هي من أجمل ما قيل في الرثاء، أنشأها أبو الحسن التهامي، وهو عالم عصره وأديب دهره، ارتجلها بعد أن فقد ابنه، إذ توفاه الله وهو في ريعان شبابه، وكان مطلعها:
حكم المنية في البرية جارِ
ما هذه الدنيا بدار قرارِ
ومن عادة علماء وفقهاء المسلمين الإبداع الأدبي في الوعظ والإرشاد في كل أحوالهم، ولا سيما تلك الأحداث والتقلبات التي تنطبع في أذهانهم وتؤثر على سير حياتهم فيؤرخونها بإخلاصهم أدبًا وشعرًا ونثرًا؛ ليكون بعد ذلك موروثًا زاخرًا بالحِكم والمواعظ التي تحرّك سواكن النفوس، وتوقظ كوامن العزائم، لتحيا النفوس بتلك الحكم والأدبيات وقتًا طويلاً.
وقد كان الأدب والشعر والوعظ والحكم فنونًا مترابطة، لم ينفك بعضها عن بعض لا سيما في الوعظ والترغيب والترهيب، إلا في زمننا هذا حيث طغى بعضها واختفى آخر.
نعود إلى عنوان المقال ونتأمل إذا ما سأل أحدنا نفسه سؤالاً للتفكر، هل حقيقة نحن خيال؟
فالجواب، نعم، نحن خيال، ولكنه خيال واقع، ليست حياة هلامية، ولا أجساد منزوعة الإحساس والروح، بل معنى الخيال هنا هو نسبة هذا العمر إلى الحياة التي تنتظرنا، ولا شك أنها حياة جميلة خالدة تنتظر من أحسن الظن بربه، بل هي فوق الوصف فلا "عين مثلها رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فتلك الحياة لا توصف بطول ولا بقصر حيث لا زمان يحدها، «خالدين فيها أبدًا» فكانت هذه الدنيا من أولها إلى آخرها - نسبة إلى حياة لا يكتنفها الزمان - كالخيال بل كالحلم، وفي التنزيل «قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا» وتساؤلهم هذا يصف الحقيقة التي يمر بها البشر كلهم عابرين الأزمنة والأمكنة سائرين إلى حياتهم تلك.
وليس المقام هنا مقام وعظ، وإنما المراد هو التنبيه إلى شيء آخر، والتفاتة هي أعظم من مجرد موعظة تلقى فتؤثر فينا أيامًا أو ساعات، هذه اللفتة والتنبيه مأخوذان من قول نبينا صلى الله عليه وآله وسلـم: إن الله جميل يحب الجمال. فهذا العمر وهذه الدنيا وهذا الخيال يجب أن نجعلها جميلة، وليست مكتئبة ولا حزينة، كما يحب أحدنا أن يرى في منامه حلمًا جميلاً ولا يحب أن يرى حلمًا مفزعًا، فالخيال الجميل والحياة الجميلة أنت من يصنعهما، فليس معنى أننا عابرون على هذه الدنيا، وأن الموت حتم، وأن الحياة الحقيقية هي الآخرة، ليس معنى ذلك أن نعيش حياة بائسة وحزينة وعبوسة، يترجمها قول رسولنا عليه الصلاة والسلام عن الله جل في علاه "أنا عند ظن عبدي بي" فإحسان الظن بالله وإدخال السرور على النفس وعلى الآخرين، وصناعة الجمال، تجعل الحياة جميلة، وسيبعث العبد على ما مات عليه، فالحرص على أن تكون سعيدًا جميلاً متفائلاً، هذا من دواعي حسن البعث، وإذا ما قرأت في علوم النفس تجد أن الخبراء يرغبون الشخص في النوم على حالة سعادة وانشراح وفرح، ليحظى بأحلام سعيدة، وتجانبه أمراض متوقعة لمن ينام على حال كئيب، فهذه الحياة وهذا الخيال الذي نعيشه واقعاً محسوسًا ملموسًا؛ يجب أن يكون جميلاً سعيدًا ليصحو أحدنا من مرقده المنتظر جميلاً سعيدًا. هذا، والله من وراء القصد.
التعليقات