موسم العام الدراسي لا يقل أهمية عن المواسم التي تسابقنا فيها في الخيرات، فإن كان الصيام والقيام والحج والعمرة والذكر والصدقة والبر والإحسان، إن كان ذلك كله وغيره من العبادة والقربة إلى الله، فإن طلب العلم ملاك ذلك كله!

ها نحن نستقبل اليوم موسماً آخر، ليس هو بالموسم الديني البحت، الذي يمكن للخطيب أو الواعظ أن يذكر الناس بحسن استغلاله، وتدارك فرصته، واغتنام أوقاته، ولا أدري لم لا يفعل الواعظون والخطباء ذلك؟ وموسم العام الدراسي لا يقل أهمية عن المواسم التي تسابقنا فيها في الخيرات، فإن كان الصيام والقيام والحج والعمرة والذكر والصدقة والبر والإحسان، إن كان ذلك كله وغيره من العبادة والقربة إلى الله، فإن طلب العلم ملاك ذلك كله!

نعم، طلب العلم تصحيح لكل ما سبق من أنواع العبادة، وفعل لها على ما أراد الله، وعلى منهج رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فإن من عبد الله تعالى على جهل حارت عليه عبادته، وضر نفسه من حيث أراد نفعها:

رام نفعًا فضرّ من غير قصدٍ *** ومن البر ما يكونُ عقوقا

ولهذا بوّب له البخاري -رحمه الله- في صحيحه: (باب: العلم قبل القول والعمل).

ولعل هذا هو السر في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "ومن سلكَ طريقًا يلتمسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنةِ" . فإن المراد -والله تعالى أعلم- ليس العلم لذاته، بل لثمرته، من العمل الصالح، الصواب، فالعلم بالثواب والعقاب يحفز على العمل والطاعة، وترك المعصية.

ولعل الحديث أطلق العلم، فلم يقيده بعلم ديني أو دنيوي، بل قال: علماً. نكرة، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". نعلم التفاضل في علوم المعيشة، فكل العلوم النافعة تدخل في الحديث، فكل سالك طريقاً لعلم نافع، ديني، أو دنيوي، فقد وعد بتسهيل الله له طريقاً إلى الجنة. وأيضاً لم يحدد الطريق، فطرق الخير كثيرة، متنوعة، ولكن بعضها ييسر على بعض العباد بما لا ييسر لغيره، فيفتح على هذا في الصلاة، وعلى ذاك في الصيام، وعلى هذا في التعليم، وعلى ذاك في الصدقة والبر وغير ذلك.

فالطالب وهو يحمل كتبه ودفاتره سالكاً طريق مدرسته، أو جامعته، مهما كان تخصصه، شريعة أو طبيعة، كل ما يحتاجه أن يخلص النية ويصححها، ليكون ممن يقطف ثمرتها من خشية الله، ولا يجعل غايته ما يناله من ورقة تشهد له بتجاوز المرحلة، فإن تجاوز المرحلة ليس هدفاً، ولا غاية، والغاية هي رفع الجهل عنه، ودخوله في وصف طلب العلم، ثم العالم، حتى تستغفر له الملائكة والحيتان في البحر، بل والنملة في جحرها.

إذا كانت نيتك تعليم الناس الخير، والخير في الدين أكمل وأفضل، ولكن الخير في الدنيا هو رافد خير الآخرة والمعين عليه. فهما صنوان، يكمل بعضهما بعضاً، وكله مما تحتاجه الأمة، وربما كان العلم بالطبيعة اليوم أولى وأحرى لقلة العالمين من الأمة فيه، ولكثرة علماء الشريعة فيها.

فجد على نفسك بإخلاص النية، والعزيمة على أن تصل إلى أعلى ما يمكنك من العلم النافع للبشرية، المقيم لاستعمار الله للناس في هذه الأرض، وثق بأن الله سيسهل لك بهذا الطريق طريقاً إلى الجنة، فهذا إخبار الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، صلوات الله وسلامه عليه. وهو الذي أوحى الله إليه فقال له « وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيماً»، أي بهذا العلم الذي نلته. وغيره مشمول به، والله المستعان. هذا، والله من وراء القصد.