هل يترك الناس الإنترنت بسبب الذكاء الاصطناعي؟ أو بطريقة أخرى، هل يقضي الذكاء الاصطناعي على نفسه بنفسه؟ مصدر قوة الذكاء الاصطناعي هو مصدر ضعفه في وقت واحد، إذا كان الأمر كذلك، فمن أين تبدأ الحكاية؟
يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات كما هو معروف، وفي تطبيقاته الأخيرة التي تعتمد النماذج اللغوية الكبيرة خصوصاً، مثل تطبيقات المحادثة التي اشتهرت مؤخراً، تمثل البيانات عصباً مهماً لا بديل عنه. تبدأ الحكاية من المساهمات المفتوحة على الإنترنت التي تستفيد منها هذه التطبيقات. فضاء مفتوح ومتنوع يستثمر ويعاد استثماره مرات عديدة لكن إلى متى؟
قام الإنترنت على المواقع التي تكونت لأهداف عديدة أهمها المستخدم، فإن لم يكن للمستخدم اهتمام بها فلن يكون لوجودها هدف حقيقي. سار الإنترنت على هذا المنوال، نموذج المواقع والمستخدم الذي يتصفحه مثل نموذج قارئ الكتاب، تتخلله خدمات أخرى تشكل دوائر تضيق وتتسع، من أهمها محركات البحث التي منها غوغل. هكذا يبدو الإنترنت بناء هرمياً من طبقات كل واحدة تقوم على الأخرى فأين يقع الذكاء الاصطناعي منها؟
الذكاء الاصطناعي موجود في طبقات الإنترنت كلها بكل تأكيد، إنما تطبيقات المحادثة لها وضع خاص. تطبيقات المحادثة مثل تشات (جي بي تي) وبارد، تتغذى على صفحات الإنترنت، إنما خلاف محركات البحث لا تشير إلى المواقع التي تأخذ منها، ومن هنا تكمن المشكلة. إذا ارتفع استخدام تطبيقات المحادثة لجودة الذكاء الاصطناعي وقدرته على تلبية متطلبات المستخدمين، ستقل عودة المستخدمين إلى المصادر الأصلية، وهي المواقع ذاتها التي يبني التطبيق ذكاءها عليها. ونتيجة قلة عودة المستخدمين إلى المواقع ستحدث سلسلة من التفاعلات.
النتيجة الأولى لقلة المتصفحين لمواقع الإنترنت أن المواقع ستكون بلا جدوى. فإذا كان المحتوى الذي يعرضه الموقع لا يزوره أحد، فلن يطول الوقت حتى تتوقف المواقع عن عرض محتواها. نتيجة لتدني جدواها وسيتقلص المحتوى المعروض على الإنترنت عموماً، فكل من أراد معلومة أو حلاً لمشكلة ما ذهب إلى برامج المحادثة. مع الوقت قد يزيد المحتوى ضعفاً حتى لا تجد برامج المحادثة بيانات على الإنترنت تبني إجاباتها عليها. المعلومات التي كانت سبباً في تميز هذه التطبيقات أصبحت مهددة بالتلاشي.
مع ما في هذا السيناريو من تبسيط، إلا أن تأثير الذكاء الاصطناعي سيمتد إذا استمر على هذا المنوال ليدمر الإنترنت ويدمر نفسه معه. تطبيقات المحادثة بدأت السلسلة التفاعلية وإن كانت في بدايتها، ويتوقع لتقنيات أخرى أن تدخل لتساهم في التحول، فمشروع جيل الإنترنت الجديد بتقنية سلاسل الكتل وغيرها من التقنيات الناشئة قادم. الشيء الذي نعرفه بالتأكيد، أن الإنترنت كما هو اليوم سيتغير تغيراً كبيراً، حتى لا يبقى من معالمه التي عرف بها شيء يذكر.
التعليقات