مفاجأة من العيار الثقيل أطلقتها وكالة فيتش هذا الأسبوع، وذلك عبر خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، الأمر الذي وضع حيازات سوق الخزانة الأميركية البالغة 25 تريليون دولار في دائرة الضوء قسراً، وبالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي ينحدر فيها التصنيف الأميركي، إلا أنه يسبب إحراجاً دولياً كبيراً لأقوى اقتصاد في العالم، وخاصة إذا أضفنا لها انهيارات المصارف الأميركية، وسط اشتداد المواجهة السياسية والتجارية مع روسيا والصين، ولهذا، ربما يكون السؤال الأهم هو: هل سيكون أغسطس 2023 تكرارًا لأغسطس 2011؟، إذا نظرنا إلى عام 2011 الذي خفضت فيه وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الأميركي من AAA إلى AA+، فإن مبررات الخفض بين الأمس واليوم تشبه بعضها بعضاً، فالأحداث تتشابه والتاريخ يتكرر، ومنها حالة الاستقطاب السياسي التي أنهكت النمو، وعدم اقتناع وكالتي التصنيف المرموقتين بقدرة خطة التدعيم المالي على تحقيق الاستقرار في ديناميكية الديون متوسطة الأجل.
لم يكن قرار خفض التصنيف الأمريكي وليد الصدفة، فقد كانت له إرهاصات مبكرة، فقد كان يختمر منذ فترة في رأس «فيتش»، عندما حذرت في مايو من الضغط على الزناد بسبب استمرار سياسة حافة الهاوية، حيث بقيت معركة سقف الديون معلقة في طريق مسدود، وعادت وكالة التصنيف للتحذير مرة أخرى خلال يونيو، ثم أطلقت مفاجأة الخفض قبل أيام، رغم توصل الفرقاء السياسيين إلى اتفاق بشأن حد الاقتراض، مستندة في نظرتها التشاؤمية إلى عيوب هيكلية في الاقتصاد الأميركي من بينها التدهور المالي المتوقع خلال السنوات الثلاث المقبلة، وعبء الدين الحكومي المرتفع والمتزايد، وتآكل الحوكمة على مدى عشرين عاماً، وغيرها من العلل الاقتصادية، ولا يشك عاقل، في أن الاستقطاب السياسي الحاد وقرارات اللحظة الأخيرة بشأن سقف الديون جرحا جدار الثقة في الإدارة المالية.
على أية حال، سيكون لخطوة «فيتش» تأثير طفيف على المدى الطويل، لكنها تعد خرقاً في الجدار المنيع للائتمان الأميركي، والخبر الجيد للأميركيين، هو أنه إذا كان الماضي دليلاً للحاضر، فإن التاريخ القريب يؤكد أن تداعيات خفض التصنيف الائتماني في عام 2011 كانت محدودة للغاية، وهذه سابقة مطمئنة لهم، ولهذا، نتوقع أن تكون ردة فعل سوق سندات الخزانة الأميركية في الاتجاه الصعودي، على عكس ما يتوقعه البعض من تأثير كبير، ومع ذلك، فإن مخاوف «فيتش» ستخلق شعوراً جزئياً بفقدان الثقة في السوق الأميركية، وخاصة سوق السندات، مما سيدفع بعض المستثمرين إلى تركيز استثماراته في أصول الملاذات الآمنة.
لن يعدم الأميركيون من فائدة لهذا التصنيف السلبي، حيث يعكس الأمر برمته قلقاً أكبر وأعمق إزاء الاقتصاد خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهذا يلفت الانتباه إلى تدهور المسار المالي الذي اختبره الكثيرون بالفعل، وقد يكون حافزاً لمواجهة بعض الأخطاء المتراكمة، وإذا لم يحدث التعديل المطلوب، واستمرت السياسات المالية على نفس المسار المعيب الذي سلكته الحكومة الفيدرالية على مدى جيل كامل، فإننا نعتقد أن التصنيف الأميركي سيسقط مرة أخرى تحت سكين وكالات التصنيف، في المقابل، ربما يكون لهذه الواقعة التاريخية تأثير محدود على خطط الاقتراض للربع الثالث والبالغ قيمتها تريليون دولار، ولهذا، سيتم عن كثب مراقبة قدرة المشترين الأجانب والأميركيين على مواصلة الطلب على شراء الديون، وليس الطلب فقط ما يثير القلق، ولكن أيضًا خطر ارتفاع تكاليف التمويل التي ستؤدي إلى تفاقم العجز المالي، وهذا سيكون له تأثير مضاعف على الانتخابات الرئاسية المقبلة.
التعليقات