كنت في رحلة لبلدة قريبة منذ يومين، وهي بلدة يأتيها السياح من كل مكان صيفاً وشتاءً، صيفاً لجوها الجميل وشتاء لأنها مزار عشاق التزلج. هذه المقدمة كي أتحدث عن أدب الرحلات، هل توقف؟ ومتى توقف؟ هل استعضنا عن قراءة هذا الأدب بمشاهدة السوشيال ميديا؟ أنا لا أتذكر متى كانت آخر مرة قرأت فيها عن رحلة شخص ما إلى مكان ما، لكنني يومياً أشاهد العشرات من رحلات الناس إلى مختلف أنحاء العالم.

أدب الرحلات، أتذكر أنني أغرمت بكتاب حول العالم في ثمانين يوماً الذي أعتقد لو لم تخني الذاكرة أننا درسنا اختصاراً له في إحدى سنوات الدراسة، ثم وقعت في غرام كتاب حول العالم في مئتي يوم لأنيس منصور، والذي توقفت عن القراءة له بالرغم من أسلوبه البسيط الرائع حين استدرجتني لعبة الحكم على الكتاب من خلال انتماءاتهم والاستماع إلى حكم الآخرين على أهمية الكاتب أو عدم أهميته.

في مكتبتي الإلكترونية عشرات الكتب من هذا النوع، يبدو أن العناوين تغريني، يغريني أن أقرأ يوميات كاتب وهو يزور بلداً بعيداً غريباً عليه في عاداته والطريقة التي يمارس بها الناس الحياة، على أن تكون الكتابة جميلة ومغرية.

أنا المغرمة بالرحلات والتحدث إلى الناس ومعرفة طريقة تفكيرهم ومشاهدة كيف يمارسون حياتهم، التعرف إلى أكلاتهم وكيف يتحدثون ويستمعون ويضحكون ويلعبون ويستقبلون الغرباء عنهم. لم أفكر يوماً في الكتابة في هذا الجانب، هل لا يزال الناس يقرؤون أدب الرحلات؟

هل لازال هذا النوع من الكتابة يجذب الناس، الكتب التي بحوزتي كلها لزمن مضى، ليس لدي كتاب حديث من هذا النوع، هل يحب الناس أن يستمعوا لشخص يحكي لهم ماذا شاهد وكيف خالط الناس في بلاد لم يروها من قبل؟ هل يحبون أن يروا بعينيه أشياء ربما لن يشاهدوها أبداً؟ أو ربما أغراهم الكاتب كي يزوروا ويروا ما شاهدوه ورأوه.

أو حتى أن يستمعوا لوجهة نظره في مكان معروف والناس كلها تعرف عنه.

أنا التي عشت بضعة سنوات في كندا، التي سمع عنها الجميع وزارها الكثيرون وعاش فيها الكثيرون، هل سيكون هناك شخص يقول، دعنا نرى كيف رأت هذه البلاد وماذا ستنقل لنا عنها؟ أو ربما الذين عاشوا فيها سيقولون، دعنا نرى إن كانت عرفت ما عرفناه، أو أن لها رأياً مخالفاً عما عشناه، أو أنها ستخبرنا أمورًا لم نعرفها، أو حتى من باب الحنين واستعادة الذكريات؟

بالرغم من كل ما ينقله الناس الذين نراهم على السوشيال ميديا من رحلاتهم، الأدب مسألة أخرى مختلفة تماماً. لكن ما زلت أطرح السؤال، أدب الرحلات، هل ما زال مقروءاً؟