لعل أحد المكدرات والمنغصات الرئيسة المقلقة في وقتنا الحاضر هو تزايد وتراكم الغازات الكربونية في طبقات الفضاء المحيط بكوكبنا الأرضي والمتصاعدة من مجموعة من الغازات والأدخنة والأبخرة المنبعثة من محطات الكهرباء ومداخن المصانع ومحارق النفايات وعوادم المرْكبات، ويسفر هذا التكوُّن والخليط عن إضرار جسيمة بالغلاف الجوي وإتلاف للبيئة المحيطة بنا مما قد يؤدي إلى تدهورها وتدميرها والقضاء على عناصرها الطبيعية ومعالمها الجمالية وسماتها الحضارية، بالإضافة إلى انعكاساتها على صحة الإنسان وبقية الكائنات الحية التي تعيش في كنفها، كذلك التغير في أحوال الطقس والمناخ وبشكل أكثر نحو تزايد درجات الحرارة إذ كان العقد الماضي على سبيل المثال أكثر دفئا بحيث كان كل عقد من العقود الأربعة الماضية أكثر دفئًا من أي عقد سابق منذ عام 1850، وما يخلفه ذلك على حياة الإنسان المعيشية والاقتصادية وعلى كافة مظاهر الحياة الطبيعية والنباتية في النظام البيئي. ويتم قياس نسب غاز ثاني أكسيد الكربون إلى حجم الغازات الأخرى في الجو حيث تتفاوت هذه النسب من حيث قربها أو بعدها عن سطح الأرض بسبب تأثير المسطحات الخضراء ومعدلات استهلاك الوقود. وتدل البيانات والمتابعات التي تمت في هذا المجال على أن نسبة هذا الغاز تتزايد بمعدل 4% في كل عقد من الزمان، وحيث إن كمية الغاز ثابتة في الكون فإن تلك الزيادات تأتي من مصادر أخرى مثل حرق الوقود المتمثل في الفحم والزيت والغاز وكذلك القضاء على الغابات والأشجار والمسطحات النباتية الخضراء.
إن معايير تلوث الهواء لم تكن معروفة إلا منذ فترات زمنية بسيطة، وفي عصرنا الحديث أصبحت هذه المعايير تحظى باهتمام ورعاية معظم دول العالم وأضحت تلقى الكثير من العناية والاهتمام من قبل الكثير من المنظمات الدولية والمؤتمرات والندوات التي تعقد لهذا الغرض. وإذا كانت مسببات التلوث للهواء الجوي غير محددة لكننا نعتبر أن المصانع ومحطات الكهرباء والسيارات تسهم بنصيب لايستهان به في تلوث البيئة والهواء بما تنفثه مداخنها وعوادمها كل يوم من أبخرة دخانية وذرات غبارية وملوثات كيميائية وغازات كربونية.
إن الظاهرة المعروفة بالاحتباس الحراري (أو الغازات الدفيئة) تؤثر بلا شك على درجة حرارة الجو وعلى سطح الأرض، إذ يقوم غاز ثاني أكسيد الكربون بامتصاص الأشعة عند موجات ذات أطوال محددة كما هو الحال بالنسبة للأرض والجو، فإذا زاد تركيزه فإن الجو يبذل مقاومة متزايدة أمام الانبعاث الكربوني المنطلق من الأرض نحو الفضاء، وحيث إن الإشعاع الشمسي القادم من الشمس لا يتأثر بالتغير في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون فإن درجات حرارة السطح سترتفع نتيجة للمقاومة المتزايدة للتدفق العائد من الفضاء، كذلك فإن تزايد نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون ستعمل على ارتفاع درجة الحرارة لذا فإن عدم اتخاذ اجراءات للحد من تزايد هذا الغاز الكربوني فإن درجة الحرارة ستزداد درجة واحدة في عام 2025 مقارنة بعام 1990 وثلاث درجات عند نهاية القرن الحادي والعشرين.
من المعروف أن المملكة تعتمد على النفط والغاز الطبيعي لتلبية طلباتها المتزايدة على الطاقة في تصنيع المنتجات النفطية والوقود بأنواعه وإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، وهو ما يستهلك كميات هائلة من النفط يوميًا. ومن المعروف أيضًا أن عمليات إنتاج النفط وتكريره وتصنيعه واستهلاكه يصاحبها انبعاث كميات كبيرة من الغازات الكربونية التي تتصاعد لطبقات الغلاف الجوي حيث يبقى الكربون المنطلق من تلك العمليات في تلك الطبقات الجوية لفترات قد تمتد لعقود طويلة متفاعلا مع الأشعة فوق البنفسجية التي تصدرها الشمس ومسببًا للاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة وتغيرات في المناخ، لذا فقد أضحى تقليل تلك الانبعاثات الكربونية جزءًا مهمًا من الجهود العالمية المبذولة للحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة والحد من آثار تغيُّـر المناخ. وبما أن المملكة تعد دولة مؤثرة وذات وزن وثقل في مجموعة الدول المصدرة للنفط (الأوبك) فقد آلت على نفسها أن تكون في خضم تلك الدول بل وفي طليعتها لبذل الجهود وتوفير الإمكانات بغية خفض نسب انبعاثات الكربون ووصولا للحياد الكربوني (الصفري) الذي تتطلع إليه وتسعى نحوه دول العالم قاطبة في العام 2050 والذي تم تعريفه على أنه تحقيق توازن بين انبعاثات غازات الكربون وامتصاص تلك الغازات من الغلاف الجوي والحفاظ على طبقة الأوزون الواقي للكوكب الأرضي من التآكل والتلاشي والانقراض.
وأخيرًا، يُنظر للطاقة على أنها مقوّم أساسي من مقومات التنمية البشرية والحضارية، فتعزيز هذه التنمية ودفع عجلة التطور الاقتصادي والتصدي لانبعاث الغازات الكربونية وتغير المناخ عالميًا يمثل أبرز تحديات هذا العصر الراهن، ولا شك أن عملية التحول إلى مستقبل يتسم بانخفاض مستوى الانبعاثات الكربونية عملية صعبة ومرهقة ومعقدة، لا سيما أن مصادر الطاقة المتجددة سوف تستغرق وقتًا طويلًا وسوف تحتاج إلى ضخ استثمارات مستدامة حتى يمكنها تلبية حصص كبيرة من الطلب العالمي المتزايد على الطاقة علمًا بأن هذا النوع من الطاقات يعتبر مجالات جديدة في البحث والتقنية والتصنيع والاستخدام. وحرصًا على المحافظة على أمن الطاقة وتلبية احتياجات متزايدة لكثير من دول العالم من الطاقة فلا مناص من مواصلة الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية (الأحفورية) لتلبية القدر الأكبر من الطلب العالمي على الطاقة لفترة طويلة في المستقبل.
- جامعة الملك سعود
التعليقات