رغم الاضطرابات الرهيبة التي عصفت بثلاثة بنوك أميركية خلال النصف الأول من العام الجاري، وجعلتها خارج نطاق الخدمة، إلا أن النظام المصرفي الأميركي يظل قويًا ومرناً، وفقًا لنتائج اختبارات الإجهاد السنوية التي أعلنها الاحتياطي الفيدرالي مساء الأربعاء الماضي، والتي أظهرت نجاح جميع البنوك البالغ عددها 23 مصرفاً في اجتياز الاختبارات، إذ تمكنت من البقاء فوق الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، متغلبة على خسارة نظرية قدرها 541 مليار دولار جراء سيناريو الركود الافتراضي، وللتبسيط، فإن الاختبارات أثبتت أن البنوك الأميركية لديها أموال تكفي لمواجهة أي أزمات مالية، مما يزيل الشكوك، ويعيد الثقة للمودعين، حيث تعد هذه الاختبارات الطريقة الوحيدة لقياس قدرة البنوك على الصمود في مواجهة السيناريوهات الصعبة.

في كل عام، يحلم مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بمعضلة جديدة، ويطلبون من البنوك حل اللغز مع الاستمرار في تقديم القروض، وهى معركة على الورق تتابع نتائجها "وول ستريت" عن كثب، لأنها تحدد مقدار الأموال الاحتياطية التي يجب أن تمتلكها البنوك في ميزانياتها للأوقات الصعبة، وهذا بدوره يحدد مقدار الأموال التي تخصصها البنوك لتوزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، وقد طلب من البنوك هذا العام إثبات قدرتها على الصمود في ظل "ركود عالمي حاد" يدفع معدلات البطالة إلى ارتفاع بنسبة 10 ٪، بينما تتهاوي قيمة العقارات التجارية والسكنية بنسبة 40 ٪، وافترض الفيدرالي أن البنوك مجتمعة ستواجه خسائر بقيمة 541 مليار دولار، بما في ذلك خسارة قدرها 100 مليار دولار في بند الرهون العقارية، وخسائر بقيمة 120 مليار دولار في بطاقات الائتمان، والمفاجأة، أنه لم يسقط أحد.

لا شك أن القطاع المصرفي، وحملة أسهم البنوك، يشعرون الآن ببعض الطمأنينة، بالرغم من أن الاختبارات لم تشمل البنوك الصغيرة، الأكثر ضعفًا، ونتوقع، أن يمهد نجاح البنوك الطريق أمام تحديث خطط إعادة شراء الأسهم وتوزيع الأرباح، ومع ذلك، سيتحلى المقرضون بسياسة ضبط النفس في ضوء الرياح المعاكسة الأخيرة، وانتظارهم مزيدًا من الإيضاحات بشأن متطلبات رأس المال المرتبطة بقوانين بازل 3 للرقابة المصرفية، فضلاً عن البيئة المالية الصعبة المتأثرة بارتفاع أسعار الفائدة، والتضخم العنيد، لكن حذر البنوك لن يمنعها من زيادة توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الشراء، ونتوقع أن تكون نسب الزيادة في البنوك الكبرى بمقدار 13 نقطة مئوية لتصل إلى 72 ٪ على أساس سنوي، مما يرفع أرباح أسهم البنوك بمتوسط ​​ 4٪، وهذا الأمر في صالح حملة الأسهم.

عموماً، يجب على مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي أن يكونوا متواضعين إزاء هذه النتائج، وعليهم أن يتذكروا سوابقهم المؤسفة، فقد فشلوا مثلاً في توقع الأزمة المالية الشهيرة في 2008، وفشلوا أيضاً في التنبؤ بانهيار بنك سيليكون فالي خلال مارس 2023، فلا داعي إذن للغرور، وتصدير فكرة أن نجاح المصارف في الاختبارات فتحاً عظيماً للقطاع، لأن هناك تحديات جديدة وأنماط معقدة لم يتم النظر إليها في الاختبارات، وحتى سيناريو ارتفاع الفائدة بشكل عنيف، من قرابة 0 % إلى 5 % لم يتم إدراجه بالاختبارات، ولهذا، يجب أن يولي الفيدرالي اهتماماً كبيراً بحل معضلة الودائع غير المؤمنة، لأن هناك 1600 بنك أميركي الآن تحت رحمة المودعين حرفياً، وهذه البنوك عرضة لبيع أصولها بخسارة، وستفشل حتماً إذا تم سحب الودائع غير المؤمنة (9 تريليونات دولار)، وإذا حدث ذلك، فستكون ضربة موجعة للقطاع المأزوم.