أفرزت لنا السنوات الأخيرة جيلاً جديداً من المتسوقين الغاضبين، الذين ينفقون أموالهم بمزاج متوتر ومرتبك، ومشحون بالحزن، نتيجة للتضخم القياسي الراهن، وقد يعكس هذا الأمر مشكلة نفسية بالأساس لدى قطاع هائل من الزبائن المتوترين، لأن ارتفاع الأسعار، بهذا الشكل الفوضوي، لم يكن معروفاً خلال العقود الأربعة الأخيرة، لدرجة أن جيلاً كاملاً من المستهلكين لا يعرف كيفية تحليل التوقعات المتعلقة بمستقبل الأسعار، فحتى البنوك المركزية الكبرى استغرقت شهوراً وهي تصف الضغوط التضخمية بالمؤقتة، بينما تشير المعطيات إلى أننا سنظل مضطرين للتعايش مع القفزات السعرية بشكل مستمر.
من المنطقي أن يرتبك المستهلكون وهم يرون كيف تطيش الكثير من التوقعات الاقتصادية التي لم تُصِب في الماضي، ولم تنجح حتى في التنبؤ بالأزمات، ولهذا، من الطبيعي جداً أن يتحسسوا أموالهم، وهم يشاهدون الأخطاء المتكررة لبيوت الخبرة العالمية إزاء مستقبل الأسواق، بداية من النفط، ومروراً بالمعادن والسلع، وانتهاءً بالعملات المشفرة، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، فالزبائن حتى لو كانوا سعداء بإنفاق الأموال على منتجات يفضلونها، أو الابتعاد عن الوظائف التي يكرهونها، فإنهم يشعرون بالخوف إزاء المستقبل المجهول.
وإذا كان سلوك المستهلكين في حالة فوران مستمر، فهذا يعني أن الماضي لن يكون دليلاً جيداً للمستقبل، ويكفي النظر إلى ما حدث قبيل الأزمة المالية العالمية الشهيرة في عام 2008، عندما كانت الصناعة المالية تميل إلى تقييم الرهون العقارية عالية المخاطر باستخدام البيانات التاريخية حول احتمالات تخلف المستهلكين عن السداد، فقد كان ترتيب التخلف المعتاد يتضمن أولاً التخلف عن سداد بطاقات الائتمان، وثانياً التخلف عن سداد قروض السيارات، وثالثاً التخلف عن سداد القروض العقارية، بينما أظهرت الأزمة تغيراً جذرياً في مواقف المستهلكين تجاه ترتيب سداد الديون، تحت التحولات الثقافية التي انعكست في شكل ضرب هذا التسلسل التاريخي لسداد الديون، ليصبح التخلف عن القروض العقارية في الصدارة بعد أن كان في ذيل الترتيب، وهو ما لم يتوقعه المحللون.
من المؤسف، ألا تتم دراسة التحولات السلوكية التي طرأت على المستهلكين بشكل دقيق حتى الآن، ونعتقد أن هناك حاجة ملحة للاقتصاديين للحصول على وجهة نظر مختلفة، ولعل النقطة المضيئة هنا، أن البعض يحاول فعل ذلك، مثل بنك إنجلترا، الذي يعطي فسحة لعلماء الإثنوغرافيا لدراسة الواقع الثقافي والاجتماعي والنفسي للمستهلكين، وعلاقة الإنفاق الاستهلاكي بالظروف الاقتصادية المعقدة، وربما ينبغي الآن توسعة مصادر البيانات الاقتصادية لتتبع التضخم بطريقة أكثر دقة وموثوقية.
لا يعمل الاقتصاد لصالح أي شخص دون استقرار الأسعار، ولهذا، ينبغي السيطرة على فاتورة الغذاء الفلكية، التي يتوقع أن تتحمل زيادات إضافية هذا العام بنحو 2 تريليون دولار، فيما تشير البيانات الرسمية إلى تدهور معنويات المستهلكين في أكثر من دولة مهمة بسبب حالة الغموض التي أجبرت الأسر على إعادة ترتيب أولويات الميزانية، واقتصار الإنفاق على السلع الضرورية، ونعتقد، أنه يتعين إجراء تغييرات جذرية في القطاع الاستهلاكي، وبعضها قد تكون قرارات مروعة لم تتعود عليها الأسواق، بحيث نضمن للتجار تحقيق أرباح عادلة، وفي نفس الوقت، نثير شهية المستهلكين للشراء والبقاء داخل السوق.
التعليقات