"لا تدقق على أخيك" وكان ذلك مطلع تغريدة لي على "تويتر" وموضوع التدقيق في أخلاق الآخرين ومعاملتهم لك، موضوع عميق قد لا تفيه تغريدة ولا مقال، ولكن نذكر ولو بما قد يعلق في الأذهان من ذلك ما يكون حاديًا لقارئه إلى محاسن الأخلاق..

قد ألِف كثير من القراء والمتابعين أن يكون الحديث في هذا المقام عن فضل عشر ذي الحجة، وفضل العمل الصالح فيها، وهو لا شك تذكير حري بالكتابة والطرح، ولكن ليس اعتياديًا بحيث يصبح الحديث عن هذا إلى العادة أقرب منه إلى التذكير، ويكفينا من ذاك أن يشاع موعد دخول العشر كما هو الحاصل، وبذلك تسترجع الناس فضائلها بما تسمعه كل عام وفي أوقات متعددة أيضا، فليس لازمًا أن نكرر ونعيد نفس الموضوع بنفس التوقيت ونفس السرد للأدلة والآثار، فقد انطبع في أذهان الناس مرارًا وتكرارًا ويخشى أن يكون اعتياد التوقيت وتكرار نفس الطرح بنفس الأسلوب مفرغًا للأدلة والآثار من مضمونها الوعظي.

أعود إلى ما عنونت به المقال، "لا تدقق على أخيك" وكان ذلك مطلع تغريدة لي على "تويتر" وموضوع التدقيق في أخلاق الآخرين ومعاملتهم لك، موضوع عميق قد لا تفيه تغريدة ولا مقال، ولكن نذكر ولو بما قد يعلق في الأذهان من ذلك ما يكون حاديًا لقارئه إلى محاسن الأخلاق، ولاسيما فمعاملة الناس والإخوة معاملة دائمة، ونحتاج لها في كل وقت وحين، وليست هي شعائر مؤقتة يفي معها اليسير من الوعظ والتذكير والتنشيط، فهي أخلاق نحتاج لها مع الأبناء ومع الزوجات ومع الأصحاب والإخوان ومع الناس جميعًا، فتتبع تصرفات الآخرين وإتباعها بالتساؤلات وإساءة الظنون؛ ماذا قصد؟ ولماذا لم؟ وكيف لو؟ ونحو ذلك، مما قد يفضي بنا إلى تتبع العورات طلبًا للإجابة عن تلك التساؤلات، فالأخلاق السيئة يُتبع بعضها بعضًا، وكان يكفي من ذلك سلامة الصدر وحمل تصرفات الآخرين على المحامل الحسنة ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً ولو بتجشم، فما لا تدركه عقولنا من الأعذار والاحتمالات لتصرفات الآخرين لا تحصى ولا تعد، ولا ننسى هنا أن نورد إرشاد وتعليم وأخلاق من قال الله فيه «وإنك لعلى خلق عظيم» ففي الصحيح: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» فبدأ موعظته صلى الله عليه وآله وسلم بالتحذير من الظن، وأردف "فإن الظن أكذب الحديث" وهذا مختصر لتكذيب كل الجمل والوساوس والأفكار والاحتمالات التي تطرأ على ذهن أحدنا حين يقابله أخوه من جليس أو عامل أو صاحب بتصرف فيه احتمال أو بعض احتمال لسوء الظن، ولكن فيه عشرات الاحتمالات للظن الحسن، ومع ذلك، فإن كثيرا من الناس ينحي كل الاحتمالات الحسنة، ويغلب ويرجح سوء الظن، فيأخذ بها جليسه أو أخاه أو عامله ويعامله بها على أنها اليقين الذي لا يحتمل غيره، وهذا خلاف مقتضى العقل فضلاً عن الأخلاق الإنسانية وأخلاق الإسلام، وليس الأمر مقتصرًا على المعاملات الشخصية العابرة، بل ذلك يشمل كل المعاملات حتى تلك التجارية والتي قد تذهب وتهدر فيها حقوق وأموال بسبب إساءة الظنون، والتدقيق في تصرفات الآخرين تدقيقا يتنافى مع المروءة وسماحة المسلم. هذا، والله من وراء القصد.