تعودنا مع اقتراب عيد الأضحى من كل عام، أن ترتفع أسعار اللحوم والأضاحي، حتى لكأن هذه الزيادة أصبحت مقرراً دراسياً، كالثانوية العامة، إلا أن ما نراه هذه الأيام من قفزات سعرية للأضاحي فاق كل تصور، فالمستويات فلكية وتاريخية بامتياز، ولعلها ارتفاعات لا يتفهمها بعض المستهلكين، بينما يعتبرها التجار فرصة موسمية رائعة لمضاعفة الأرباح، متعذرين بشح المعروض، وغلاء الشعير والأعلاف، وأسعار الشحن، وتعطل إمدادات بعض الدول مثل السودان، والأردن، ولكي نفهم حقيقة ما يجري في هذه السوق الضخمة، التي تنمو سنوياً بمعدل 4.2 %، فإننا يجب أن ندرك أن أسعار اللحوم في الأسواق العالمية مرتفعة منذ عدة أشهر بسبب انتعاش الطلب من الدول الإسلامية، وتركز الطلب على اللحوم البرازيلية، التي عوضت بعضاً من قلة الإمدادات الأمريكية، وحظر نيوزيلندا الكامل لصادراتها، ومخاوف من توسع نطاق إنفلونزا الطيور.

أثر تعطل إمدادات اللحوم الأمريكية على المعروض في الأسواق العالمية، فالولايات المتحدة أكبر منتج عالمي للحوم بنحو 20 %، بما يعادل 12 مليون طن سنوياً، وقد دفع هذا التعطل الأسعار للارتفاع 11 ٪ منذ بداية العام، بينما صعدت العقود الآجلة لأعلى مستوى على الإطلاق، بسبب ظروف الجفاف في جنوب غرب الولايات المتحدة، التي دمرت مناطق تغذية الحيوانات، مما ساهم في انخفاض كمية القطيع لأدنى مستوى في ثماني سنوات، حتى أن مخزون الماشية والعجول الأمريكية تدهور حالياً إلى 89 مليون رأس، بانخفاض 3 ٪ عن العام الماضي، بفعل الظروف السيئة للمراعي، وارتفاع تكاليف الأعلاف، وضعف الهوامش في سوق تعاني بالأساس من الاحتكار المفرط، إذ تسيطر أربع شركات أمريكية فقط هي ناشونال بيف، وكارجيل، وجي بي إس، وتايسون، على 85 % من سوق اللحوم في البلاد.

لكن، زيادة أسعار اللحوم لم تكن سوى مظهر من مظاهر تداعيات جائحة كورونا، ونقص الأيدي العاملة، وقد زاد هذا الوضع الاستثنائي من معروض الأبقار الحية والمواشي في الأسواق، فهبطت الأسعار، في المقابل، أدت زيادة صادرات اللحوم الأمريكية إلى زيادة الضغوط على المنتجين لضخ المزيد من الإنتاج في الأسواق الخارجية، بهدف جنى المزيد من الأرباح، ولهذا، نتوقع استمرار ارتفاع أسعار اللحوم هذا الصيف، مدفوعة بقوة الطلب الخارجي، وعلى الرغم من الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تواجه المستهلكين، فإنهم ما زالوا يدعمون سوقًا قوياً وصحياً للحوم، لهذا، فإن سعر اللحم المعبأ يواصل الصعود، فقد بلغ ​​287 دولارًا للطن الواحد هذا العام، مقارنة بـ270 دولارًا العام الماضي.

بالعودة إلى الشأن المحلي، فإن المستهلكين يتندرون على أسعار الزمن الجميل، وعلى سبيل المثال، فقد كانت أسعار الأضاحي في السوق السعودية قبل عشر سنوات، تقل 50 ٪ ، أما الآن فقد تخطت أسعار النعيمي مثلاً 2500 ريال، والسواكن 1500 ريال، وربما يتجاوز سعر الأضحية 3000 ريال خلال أيام، ومن دون شك، فإن مربي الماشية والمستهلكين هم الحلقة الأضعف والضحية الأشهى لمنظومة الغلاء في القطاع، والتي تضم المستوردين، والمسوقين الذين يرفعون الأسعار، والموزعين، والعمالة الوافدة المسيطرة بشكل شبه كامل على السوق، وأصحاب المطابخ، وهذا الأمر يفرض على الجهات الرقابية أن تتدخل بشكل فوري من أجل السيطرة على انفلات الأسعار، وتفعيل الرقابة على الأسواق، حتى يتمكن المستهلكون من شراء الأضحية بأسعار معقولة.