في البداية لا يجهل إلا جاهل أو متعصب أو متأزم أنَّ السباق على التوقيع مع أسطورة كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي لم يكن بين الهلال السعودي وإنتر ميامي الأميركي؛ بل كان سباقًا اقتصاديًا واستثماريًا وإعلاميًا وسياحيًا سعوديًا أميركيًا، كانت فيه الكلمة الفصل لزوجة ميسي التي اختارت المعيشة في ميامي لكونها الأقرب والأكثر شبهًا بالحياة التي اعتادتها في أوروبا، وبينما كانت المغريات المالية من الطرفين متقاربة ومغرية وتاريخية للاعب يعيش آخر أيامه الكروية انصاع ميسي للرغبة العائلية بعيدًا عن الحسابات الكروية التي لو التفت لها لاختار بدون تفكير الدوري السعودي الذي لا يقارن بقوته وإثارته وتنافسيته وسمعته وتطوره بالدوري الأميركي؛ فضلًا عن عدم وجود أي مجال للمقارنة بين الهلال زعيم القارة الآسيوية ووصيف كأس العالم والفريق الذي حجز مكانه رسميًا في النسخة الجديدة والمحسنة من كأس العالم للأندية 2025 وبين إنتر ميامي المغمور الذي يتذيل ترتيب الدوري الأميركي لكنه بعيد عن خطر الهبوط لأنه يلعب في دوري لا هبوط فيه ولا صعود، فتخيل عن أي دوري وعن أي كرة قدم نتحدث!

ماديًا لم يخسر ميسي الكثير بتفضيله للعرض الأميركي على العرض السعودي بسبب تقارب العرضين إذا ما أخذنا بالاعتبار كافة المزايا قريبة وبعيدة المدى التي تضمنها العرض الأميركي؛ لكنه خسر كرويًا الكثير، فحضوره للدوري السعودي مع الهلال كان سيكفل له بكل تأكيد ختامًا كرويًا يليق بلاعب كرة قدم يحب اللعبة ويستمتع بها، وكان سيكفل له قضاء سنتين كلاعب كرة قدم حقيقي يلعب في دوري وبطولات حقيقية ذات مستوى فني وكروي وتنافسي مرتفع، خصوصًا في ظل تدعيم الدوري السعودي بنجوم عالميين من العيار الثقيل، والذي بدأ بالبرتغالي رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة والقادم أعظم؛ لكن ميسي اختار المال والأعمال والعائلة وودع كرة القدم الحقيقية رسميًا.

  على الجانب السعودي فخسارة اسم بحجم ميسي هي خسارة بلا شك للمشروع الرياضي والسياحي والتسويقي الذي تهدف له المملكة ضمن الأهداف التي رسمتها رؤية 2030 المباركة؛ لكنَّ المشروع لن يتوقف على خسارة لاعب واحد حتى لو كان هذا اللاعب هو ميسي، والأسماء التي حضرت وستحضر كمًّا وكيفًا ستكون قادرة على تحقيق هذه الأهداف، وعلى إنجاح المشروع والخطط المرسومة.

  أمَّا كرويًا وتحديدًا فيما يخص الهلال فلسان حال عشاق ومحبي كبير آسيا بعد خسارة ميسي: «جعلنا ما نخسر غيره»! ؛ لأنَّهم يعلمون جيدًا أنَّ الهلال الذي صنع كل هذه الأمجاد وحقق ما لم يحققه أي فريق في تاريخ قارة آسيا لم ولن يقف على لاعب واحد، ولم يصنع هذا الكبير أمجاده ويحقق بطولاته وشهرته بلاعب واحد أو أسطورة يتيمة، ولم يكن الهلال أبدًا فريق الـ One Man Show ولن يكون، وربما كان هذا هو الجزء المليء من الكوب في خسارة لاعب بمواصفات ميسي، والأكيد أنَّ الهلال الذي حقق وصافة العالم في واحد من أسوأ مواسمه وأكثرها صعوبة وأقساها ظروفًا وبأنصاف وأرباع المحترفين الأجانب قادرٌ على أن يحقق الكثير إذا ما وُفِّق برشيدٍ يحسن اختيار أجانبه الجدد وقبلهم جهاز فني قدير يستطيع أن يرسم بهم هلالًا منيرًا يسطع في سماء العالم كله.