موضوع حيوي وجدير بالاهتمام ويناقش في أماكن عدة حول العالم ومن دول متقدمة، ويمس شريحة كبيرة من الموظفين، والعالم يتجه الآن إلى تعزيز جودة الحياة ورفع مستويات مؤشر السعادة لديها، وكيف يمكن أن يسهم العمل لمدة أربعة أيام في ذلك بحيث تكون إجازة عطلة نهاية الأسبوع ثلاثة أيام من دون التأثير على الإنتاجية، فكرة إنجاز مزيد من العمل في وقت أقل ليست بالفكرة الجديدة، إذ إنه بهذه الطريقة تستطيع الشركات أن توفر بعض تكاليف التشغيل، كالكهرباء والمواصلات والخدمات اللوجستية، كما تتيح للموظفين الفرصة لارتياد صالة الألعاب الرياضية وإنهاء الأعمال المنزلية اليومية، ورعاية الأطفال، وتعزيز حياتهم الاجتماعية، وتنظيم مواعيدهم، والعمل على مشروعاتهم الخاصة، أو حتى مشاهدة التلفاز، واستناداً لبعض الدراسات التي تشير إلى أن غالبية الموظفين كانوا أكثر ارتياحاً تجاه حياتهم وعملهم مع تخفيض عدد أيام أسبوع العمل، وهي بذلك تقوم باستثمار ناجح من خلال تحسين معنويات الموظفين، وزيادة الرضا الوظيفي لديهم.
أعتقد لو انطلقنا من مبدأ أن ليس هناك علاقة بين الإنتاجية وطول فترة العمل، وبدل من متابعة الموظفين فيزيائياً بحيث أننا يجب أن نشاهدهم بذواتهم ونتأكد من وجودهم جسديًا في مقر العمل في الوقت المحدد ونسخر التنقية ونظام الحضور والانصراف وأقسام الموارد البشرية لهذه الغاية، علينا أن نتجه ونسخر كل ذلك إلى متابعة أعمالهم المكلفين بها ومدى تحقيق أهداف وخطط المنشأة وبالتالي مستويات الإنجاز ومؤشرات الجودة، وكيفية إنجاح المشروعات، ومناقشة التحديات والصعوبات، وحثهم على الابتكار من خلال ترك مساحات أرحب للتفكير والإبداع الإنساني، والانتقال إلى آفاق أوسع وغزو مناطق جديدة أكثر استثماراً وأنجع إنتاجيًا، والاستفادة القصوى من التقنية الحديثة ونظام الاتصالات المتطورة والذكاء الاصطناعي وسرعة تبادل المعلومات والأتمتة في اتجاهها الصحيح وليس في متابعة الإنسان بذاتيته بل متابعة ما ينتجه ويعمل عليه، وأن غايتها العظمى هي خدمة الإنسان وتوفير وقته من الأعمال الروتينية اليومية، وبالتالي تناقص الداعي للوجود في مقرات العمل؛ انطلاقاً من أن مقرات العمل ليست الأماكن الوحيدة للعمل مع وجود كل هذه الوسائل التقنية المتطورة، ما يسمح بترك مساحات أوسع ينتقل فيها الفرد بفكره وذكائه إلى مراحل أخرى من التفكير الابتكاري وفضاءات أرحب من النواتج الإبداعية واكتساب مهارات جديدة ليحصل التقدم والتطور الحقيقي الفارق والمؤثر، وهذا لا يتأتى إلا بخلق توازن مريح بين الحياة الاجتماعية والإنسانية البشرية وبين أجواء العمل الرسمية القاسية.
وأظهرت الدراسات أن الموظفين الذين يعملون على فكرة العمل لـ(4) أيام في الأسبوع حققوا المستويات الإنتاجية نفسها، بل وأظهروا أيضًا مستويات إيجابية في الرضا الوظيفي والعمل الجماعي والتوازن بين العمل والحياة الاجتماعية وولائهم للمنشآت التي يعملون بها، ونتيجة لذلك يعودون إلى العمل وهم على استعداد لمواجهة التحديات الجديدة في إطار حل المشكلات وتعزيز وجود عنصر الابتكار والإبداع في العمل لتحقيق الفاعلية والتنافس.
أعتقد أن الموضوع أصبح جديرًا بالدراسة على مستوى عدد أيام عطلة نهاية الأسبوع وزيادتها والاستفادة من التجارب الأوروبية والدول المتقدمة في المجال نفسه لتعزيز جودة الحياة، وخلق فضاءات اجتماعية أرحب، وتعزيز مؤشر السعادة والصحة النفسية.
*متخصص في الإرشاد النفسي والتربوي
عمر العمري
التعليقات