(في الليالي الوضح وفي العتيم الصبح لاح لي وجه الرياض)
كان هذا لسان حال عيون ترقب وقلوب تتلهف وأندية تنتظر (الرياض) وترحب وهو يعبر الدرجة الأولى محطة تلو الأخرى دون توقف قادما من الدرجة الثانية في طريقه لدوري المحترفين.
لأنهم يدركون من هو (الرياض) ومن هو (اليمامة) ومن هو (أهلي الرياض) وهي الأسماء التي تعاقبت عليه وتبدلت بعضها (قسر واضطرارًا) وبعضها (تجديدا وفألا)
تغير الاسم.. وتعددت المحطات.. وتعاقبت الأجيال.. وبقيت الأصالة والشموخ والإباء.. غاب طويلا عن الصفوف الأمامية واقتعد الصفوف الخلفية..أداروا ظهورهم عنه..
وأحيانا يلتفتون إليه يرمقونة بنظرة ازدراء.. وأحيانا بتعالٍ.. وأحيانا بنظرة اللاعودة.. فلم يعد بينهم له مكان.. فكان يردد في داخله مع الشاعر عبدالمحسن بن سعيد:
(هي لهم كل الاماكن لا غدا قدري مكان /
التعب لارقابهم لا صرت بالصف الاخير)
لأنه يدرك أن قدره ومكانته في القلوب قد سجلها التاريخ وشهد عليها الزمن.. ويدرك أنه عائد يومًا ما ولن يطيل الغياب.. عاد فأشرقت (الرياض) بنور (الرياض) وردد جمهوره ومحبوه:
قلبي تولع بـ (الرياض)
حب ورثته من جدود
يا صفحة ناصعة البياض
زرعتي (الدوري) ورود ..
عاد ففتحت المدرسة أبوابها من جديد..
"مدرسة الوسطى الكروية" هكذا كان يطلق عليه في الستينات الميلادية عندما كان معقلًا لأصحاب فكر كروي رفيع ومصنعا لإنتاج النجوم مستقلا بذاته وفكره وتوجهاته، وامتاز بلاعبي الأسرة الواحدة المطرف، الوثلان، الصالح، الصانع وغيرهم.. عاد (الرياض) فعادت بنا الذكرى (والذكريات صدى السنين الحاكي) إلى (أهلي الرياض) إلى عبدالله الزير وعبدالرحمن العليق وعبدالرحمن الموزان وعبدالعزيز بن عسكر وعبدالعزيز ومحمد بن رويشد وعبدالعزيز البديع وعبدالعزيز الدوس وعبدالمحسن الصالح وصالح الكنعان وناصر الشميسي وعبدالله نور وملعب الصايغ وأبو عبدالله الصايغ إلى علي حمزة وحامد نقادي وسعود الفصمة وأبناء المطرف.
عاد (الرياض) فعادت بنا الذكرى إلى (اليمامة) إلى ناصر العمير وصالح القاضي ومحمد الحسيني ومحمد العسيري وإلى مبارك الناصر وعبود بن رويجح وناصر السيف وجوهر السعيد وطارق التميمي وإبراهيم الشايب وعبدالله الجويعي وسعد بن سعيد ومحمد سلمان ومحمد الفهد والوثلان والصانع والصالح وناصر الراجح.
عاد الرياض وعادت بنا الذكرى إلى محمد ومنصور أبو سبعة ومحمد الشبيلي وفهد الحمالي وعبدالرحمن الروكان وإبراهيم الطويل ومنصور الخضر وإبراهيم القصير إلى ماجد الحكير والأمير فيصل بن عبدالله بن ناصر إلى سليمان اليحيا وبندر الجعيثن وصلاح السقا وطلال الجبرين وسدوس وياسر الطائفي وخالد القروني ومحمد السبيت وإبراهيم الحلوة وسلطان الدوس وأحمد زايد وعبدالله الضعيان وغيرهم..
عاد (الرياض) فعادت بنا الذكرى إلى منتصف التسعينات عندما عاش فترة ذهبية تأخرت كثيرا فاعتلى المجد الكروي بطلا ووصيفا وممثلا في بطولات خارجية..
عاد (الرياض) يقوده جيل جديد أحفاد جيل سبق.. عاد بقيادة بدر المقيل ونائبه مقبل الجديع وزملائهم وبدعم شرفي من أسرة الحكير وإدارة فنيه بقيادة حماد الدوسري وناصر القحطاني وبعبدالإله الخيبري وخالد الشويع ومحمد الشويرخ ونواف الحبشي وفهد الرشيدي وخالد العبدالرزاق.. عاد (الرياض) وتذكرنا كل من عمل من أجله وأخلص له ودعمه معنويا أو ماديا وعذرا لمن فات ذكرهم سهوا أو ممن لا أستطيع أن أحيط بهم خبرا رحم الله من توفي منهم ومد في عمر الأحياء ومتعهم بطاعته، عاد (الرياض) إلى المكان الذي يستحق والمكانة التي تليق به..
المكان الذي ولد فيه وانطلق منه وتردد عليه..
عاد هذه المرة باحثا عن الاستقرار بعد عقدين من الغياب.. عاد بجيل جديد ولد في (الرياض) وتربى في (الرياض) جيل عليه أن يدرك أن (رياض اليوم) هو (يمامة الأمس) وهو (أهلي الرياض) الأصل والمنشأ والولادة بمؤسسيه ورجالاته ولاعبيه..
بأصالته وشموخه واستقلاليته.. وأن يدرك أن عقدين من الزمن كفيلان بأن يحدثا تغيرا في الأساليب وتجديدا في الرؤى وانقلابا في المفاهيم وعليه أن يتواكب مع هذه المرحلة.. حقق (الرياض) الصعب فعاد.. وإذا ما أراد البقاء فعليه أن يحقق الأصعب.. لن أكون أكثر محبة لـ (الرياض) من (الرياضيين) ولا أكثر حرصا منهم عليه..
ولا الأكثر سبرا لغوره أو الإحاطة بمكنونه.. ولا الأقدر على رسم مستقبله ووضع لبناته..
لكنني من المحبين لعراقة هذا النادي والمعجبين بتاريخه وممن يعز عليهم غيابه عن المشهد، وحسبي أن كثيرين مثلي وأكثر يريدونه أن يكون (أهلي الرياض) بأصالته واستقلاليته و(اليمامة) بصموده وصبره وفيضا من (الرياض) الكروية تؤتي أكلها كل حين بربيعها الدائم وعطائها الذي لا يتوقف.
والله من وراء القصد
التعليقات