قد يستغرب القارئ من العنوان، حيث إنه وإن كان مكتوبا بحروف عربية وإنما هي كلمات إنجليزية تعني بالعربية "يا ابني، لا تفعل ذلك"، ومثلها عبارة "إيت يور لنش" والتي تعني بالعربية "قم بأكل وجبة الغداء الخاصة بك" وكذلك عبارة "لتس قو" والتي تعني بالعربية "دعنا نذهب"، وغيرها العديد من العبارات. مثل هذه الطريقة في الحديث والكلام أصبحنا نسمعها من حين لآخر في الأماكن العامة مثل المطاعم والمقاهي والمطارات وأماكن اللعب وغيرها.

نتصور عندما نسمع هذه العبارات بأن الطرف الموجه له هذا النوع من العبارات هو شخص لا يعرف العربية، أو من أصول غير عربية، ولكن نتفاجأ بأن المتحدث والمستمع كلهم عرب، بل وأفراد أسرة واحدة، حيث يقوم الأب أو الأم بمخاطبة أبنائهم في المنزل وخارج المنزل وبشكل دائم باللغة الانجليزية، وفي ظنهم بأنهم يرفعون من مستوى طفلهم اللغوي في اللغة الانجليزية.

قد يكون الأمر كذلك، بحيث يرتفع مستوى الطفل اللغوي في تلك اللغة، ولكن التأثير السلبي بعيد المدى على الهوية والثقافة العربية سيكون عظيم. وفي الحقيقة الموضوع لا يقتصر فقط على التأثير السلبي على الهوية العربية، وإنما إعطاء شعور مبطن - حتى وإن كان بشكل غير مقصود - بأن تلك اللغة هي لغة أهم من لغتنا وتعليمها لأبنائنا أهم من تعليمهم اللغة العربية.

يربط البعض التقدم والتطور في تعلم اللغة الإنجليزية ويعللون ذلك بأنها لغة العصر والتقنية، وأن العالم أصبح قرية صغيرة يتحدث الجميع فيها باللغة الإنجليزية، وهذا ربط غير صحيح ويخالفه الواقع والمشاهد. اليوم دول مثل اليابان وكوريا وألمانيا تعتبر من الدول المتقدمة جداً على مستوى العالم، وينافسون بل ويتفوقون أحيانا على دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا في عدد من المجالات سواءً أكانت تقنية أم صناعية.

هذا التقدم الذي تعيشه تلك الدول ليس باللغة الإنجليزية وإنما بلغاتهم الأم ويستفيدون من اللغة الإنجليزية لأغراض التجارة والتواصل. كل من زار الجامعات والمصانع والأماكن العامة في الدول التي أشرت إليها (كوريا واليابان وألمانيا) سيجد أن اللغة الرسمية فيها هي لغة البلد الأم، وسيلاحظ الزائر بأنه يصعب احياناً التفاهم مع سكان تلك البلدان باللغة الإنجليزية حيث إن العديد منهم لا يجيد الإنجليزية أو لا يفضلون الحديث بها رغم أن أعدادا كبيرة منهم متعلمون ويحملون درجات علمية في مختلف التخصصات سواءً النظرية منها أم الصحية والهندسية والتقنية ولديهم معرفة باللغة الانجليزية وإن كانت متفاوته.

هذه الشعوب تنتج صناعات تتفوق أحياناً على الدول المتحدثة باللغة الانجليزية في الجودة والتطور، واستخدام لغتهم الأم لم يكن عائقاً في وصولهم لتلك الجودة في الصناعة وذلك التقدم التقني والعلمي، حيث إنهم حتى في أماكن العمل هناك يتحدثون بلغتهم الأم، وإن أردت أن تدرك ذلك، عليك بزيارة أحد مصانع شركة تويوتا أو نيسان أو أحد فروع شركة سامسونج في كوريا - وهذه شركات أغرقت العالم بمنتجاتها ليس بالعدد فقط وإنما بالجودة - لكي تشاهد بنفسك كم أنه من الصعب أن تتفاهم معهم باللغة الإنجليزية حيث إن من يجيد اللغة الإنجليزية "بطلاقه" في تلك البلدان هم قلة والأغلب بالكاد تستطيع الفهم عليهم والتواصل معهم.

كل ما سبق لا يعني البتة أن لا نعلم أبناءنا اللغة الانجليزية، بالعكس تماماً، في هذا العصر خصوصاً مع التقدم التقني والتقارب بين الشعوب لا بد لأبنائنا من إجادة اللغة الانجليزية حيث إنها تعتبر وسيلة مهمة للتواصل والتعبير عن الأفكار مع الشعوب التي لا تتحدث العربية، ولكن لا يجب أن يكون تعلم الانجليزية على حساب الهوية والثقافة العربية، وأن لا تكون هي لغة الحديث بين أفراد العائلة العربية، التي نزل القرآن الكريم بلغتهم، اصطفاءً من الله لهذه اللغة الخالدة.

ولا بأس أن تحدثنا بلغة انجليزية واضحة بدون لهجة أمريكية أو بريطانية، فالمهم هو وضوح الرسالة والقصد ووصولها بفهم جيد للمستمع. كبار المهندسين والمستثمرين في الشركات الألمانية واليابانية والكورية والصينية والروسية ومن يديرون استثمارات بمليارات الدولارات بالكاد أن تفهم عليهم أحياناً بسبب عدم وضوح حديثهم باللغة الانجليزية بل إن البعض منهم يحضر معه مترجمين في الاجتماع بسبب عدم إجادته للغة الانجليزية، وفي نظر مثل هؤلاء تعتبر اللغة أداة للتواصل وايصال الأفكار ولا تقوم مقام العقل بالتفكير والابداع والنباهه، ومثل هؤلاء لا يعير لنظرة الطرف المقابل له بالاجتماعات أي أهمية أو اعتبار فيما يخص ضعف لغته الانجليزية.

الفهم باللغة الأم لا يعادله أي فهم آخر ويصل للقلب والمشاعر والأحاسيس والتي بدورها تؤثر في الجوارح، وفي هذا السياق يقول الرئيس السابق لدولة جنوب إفريقيا نلسون مانديلا Nelson Mandela (إذا تحدثت مع رجل بلغة يفهمها، فإن ذلك الحديث سيذهب لعقله، وإذا تحدثت معه بلغته الأم فسيذهب ذلك الحديث لقلبه).

“If you talk to a man in a language he understands, that goes to his head. If you talk to him in his language, that goes to his heart.”

والمقصود هنا أن الحديث بلغة غير اللغة الأم لن يصل بكل المشاعر والأحاسيس التي تلامس القلب.

لذلك يجب علينا تعليم أبنائنا الفخر بلغتهم العربية وزرع محبة هذه اللغة الرائعة في نفوسهم، وعدم تلميع أو تمجيد اللغات الأخرى على حساب اللغة العربية، فنحن القدوة والمعلمون لأبنائنا وبنا يتأثرون، وهم عماد المجتمع في المستقبل وهم كذلك من سيمثلون الثقافة والهوية العربية بين مختلف الشعوب ويرسمون الصورة الجميلة لها.