لا تُعبِّر الاستشارة في أصل معناها عن ترف فكري، ولا تمثل قيمة واهية لا تستحق مثلاً أن نتوقف عندها بعمق، فالمؤسسات المتخصصة في تقديم الاستشارات بأنواعها المختلفة سواءً إدارية، أو اقتصادية، أو تعليمية، إلخ، هي مؤسسات تُبنى وتُقام على أساس علمي بحت في أصلها، مدعومةً بالمقدار الخبراتي التطبيقي الكبير الذي يتمتع به من يقومون على شؤون تلك المؤسسات.

من هنا فقد يصبح أحياناً من الصعب على القليل من أصحاب الأعمال أن يدركوا حقيقة المجال الاستشاري ومدى ارتباطه اليوم بعالم الأعمال الحديث، ومدى أهميته في الأسواق، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأعمال الجديدة، أو الأعمال القديمة، ولكن المتعثّرة. هنا يجب أن ندرك بأن تقديم الاستشارات عبر تلك المؤسسات المتخصصة، هي عملية لا تقوم فقط على جوانب نظريّة، ولكنها تستند أيضاً إلى نمط عملياتي تطبيقي يشكل أساساً لعملية تقديم المشورة بحد ذاتها.

من هذا الجانب، تصبح الاستشارات المتخصصة أداة عمل وتنفيذ على الأرض، عندما تكون بعض المؤسسات أو كثير منها تفتقر إلى الطريق الواضح لكي تسير إلى بر الأمان، فتكون المؤسسة الاستشارية بما تمتلكه مع علوم ومعارف حول السوق، والمستهلكين، وكيفية وضع الخطط الاستراتيجية الناجحة، بمثابة ضوء كثيراً ما أضاء لكثير من الشركات التي كانت على وشك فقدان الاتجاه الصحيح.

ولأن ليس كل سوق يشبه غيره، يظن كثير من أصحاب الأعمال بأن استثماراتهم تمتلك ذات الظروف في كل سوق، وهو ما لا يعبر عن الحقيقة، لأن الكثير من الاعتبارات تكون مفقودة في الفكر الإداري والتسويقي لأولئك المستثمرين. والسوق بحد ذاته هو جسد وكيان متكامل، يمتلك عناصر إدارية واجتماعية وثقافية وسياسية وتسويقية وإعلامية خاصة به، وقد تختلف اختلافاً جزئياً أو كلياً عن السوق المحلي.

وحتى على نطاق السوق المحلي، فالكثير من المستثمرين خاصةً الجدد قد لا يمتلكون كل الأدوات المعرفية اللازمة لتجنب وقوعهم في مواقف وتجارب معينة قد تؤثر سلباً على أعمالهم. من هنا تصبح مؤسسات الاستشارات الإدارية والتسويقية وغيرها قيمة سوقية كبرى، تسعى من خلال تواجدها في السوق إلى تحسين مخرجات الأعمال وفق أسس سليمة مصممة تصميماً متقناً، وموجهة بشكل ناجح للسوق، ما يجعل مؤسسات الاستشارات تلك، مؤسسات لا غنى عنها في أعمال القرن الحادي والعشرين، حيث تحديات السوق هي الأكبر من نوعها في التاريخ البشري، وحيث مستوى المنافسة يتنامى ولا يقف عند حد، وهذا يجعلنا ننظر نظرة جديدة كلياً لحاجتنا للاستعانة بالخبراء والاستشاريين.

  • دكتوراه علم نفس إداري