بداية ولكي تتضح بعض معاني العبارات فإن هناك ما يسمى (حمارة القيظ) وهي حمرة نار وحرارة وسط النهار في القيظ، ولا علاقة له بالحمارة وهي أنثى الحمار لا من قريب ولا من بعيد، وهي فترة زمنية معروفة تشتد فيها حرارة الشمس وسط النهار صيفا.
وعندما نقرأ ونتتبع ثقافة السابقين وآدابهم نجد تفصيلات واضحة عن الحر والبرد والشتاء والصيف وأضرار التعرض لمسببات الأمراض والأوجاع والمؤذيات من الأجواء أو الهوام وغيرها، وهي عندما تنقل لنا تنقل بفهم جيد وطريقة تجعل المعارف والخبرات ذات فائدة عند فهمها الفهم الصحيح والأخذ بها ، ولكن عندما تحرف فإنها تنسلخ من معناها الصحيح و من جودتها لتدخل مجالا آخر وقد يجعلها ذلك التحريف عديمة الفائدة أو ما هو أسوأ من هذا ، أي ضارة.
ففي ثقافة السابقين التحذير من العمل في وقت القيلولة التي هي شدة حرارة وسط النهار صيفا ، ولأن الحرارة تأخذ في تصورنا اللون الأحمر كما هي حمرة النار يقولون بتجنب المشي أو العمل في " حَمَارة القيظ" وهم بهذا يقدمون خبرة مما حصل لبعضهم وما أثبتته تجاربهم وتثبته اليوم دراسات وواقع حتى أن الأنظمة تمنع العمل تحت القائلة والشمس الحارة التي قد تضر بمن يعمل وهي حمارة القيظ ولهيب شمسه الحارة كالنار الحمراء .
ولعل من تأثر فيما بعد بالخرافة التي حيكت حول حمارة القيظ يقفز إلى ذهنه ما نسج من بديل عنها وهي "حمارة القايلة" والتي يقصد بها معنى آخر هو أنثى الحمار، وأنها حيوان يتجول في وقت القائلة ووقت اشتداد الحر ، وأحيانا يقولون حمار القايلة ، وهو الحمار الذكر ، يهاجم الأطفال الذين لا يبقون في البيوت ولا يحتمون من الشمس ، وهذه خرافة استغل منشؤها وجود عبارة سابقة فتصورها بمعنى آخر حتى أن القراءة الخاطئة لعبارة " حمارة القيظ " تخدم مراد صاحب الخرافة ويعتبرها شيئا وكائنا موجودا منذ القديم مما يشكل للمجتمع قناعة وتصورا يصعب أن ينفك منه حتى ولو علم فيما بعد أنها خرافة لا أصل لها.
وقد استغل هذه الخرافة الأهل والمجتمع كرادع ومعين تربوي يساعدهم على ضبط أولادهم الصغار من خلال إخافتهم بهذا الشيء المجهول الذي لا أحد رآه .
ومما يجعلهم يرحبون بتلك الخرافة سرعة استجابة الأطفال لذلك التخويف والتزام البقاء في المنازل وقت القيلولة ، وأما الأهل فإنهم متعبون ويريدون أن يأخذوا قسطا من الراحة وسط النهار ولا يملكون القدرة على متابعة الأطفال وحمايتهم من الأخطار إلا بهذا الأسلوب ، حتى ولو أثر في نفوسهم مستقبلا ، فالمهم عندهم وجود حل سريع ولا وقت لاختبار الحلول وتنوعها.
والخرافات كثيرة إلا أنها تأخذ من الواقع مادتها ، مثل ( أم السعف والليف ) وهي النخلة ، ومع ذلك يتصورونها شيئا موحشا ، وأيضا السعلو ، والسعر ، ومادته الأصلية بعض الثعالب قد تصاب بداء الكلب فتكون خطرا عندما تكون مسعورة ، كذلك ما يراه الخائف والسائر وحده ومن يبقى في مكان معزول بين صخور وجبال يظهر له ما يخيفه من حركة حوله وسماع أصوات من انكسارات في صخور الجبال وغيرها فيتصورها من الجن يرويها بعد عودته وأن النار قد شبت في ثيابه وعلقت في شعره ويسمونها ( الشيفة ) حتى أنهم أخذوا هذا المصطلح ليطلقوه على كل شيء فقد الحسن والجمال فيقولون هذا شيفة ويقصد به القبح.
يقول الشاعر: أبو الفيصل:
يقول ابو الفيصل خذوا علم الرجال
عـاشـرت طيّبهم واعــرف جـمايلـه
الـوافي الصنديـد ميّال العــقـال
هو سيف ربعه ودرعــه شايلــه
كريم في بيته سلوا عنه الدلال
حـكـيم قـومـه وفي مسايـلــه
ومّيزت خيّبهم حقير وفي ضلال
خـبيث في قـولـه وفي عـمايـلـه
احذر من الّلاش فاله خس فال
ماعـمر خاسي يجيب الطـايـلـه
جـبان واتقـطـعت فـيه الحـبال
احـذر يـورطــك في حـبايله
عاصرت هالدنيا ولي فيها مجال
وشربت حنظلها وعين سايله
وشربت من اليم والنبع الزلال
واعرف سلوم العـرب ومثايله
اوصيك لا تتكي الا على جبال
وابعـد عن الرفـقـه اللي مايله
وتبقى لنا الاخلاق وافعال جمال
واللاش يبقى "حــمـار القــايلة"

التعليقات