لا أعرف عن ظلّي إلا أنه دكنتي التي لا تفصحُ عن شيء بي.. لا تشي بأسراري إلى الضوء كلما وقع علي.. ولا تحاول أن تسرق منه الحضور أو تشوّهات غرور شعري لازم كثيرين غيري عبر تواريخ أيامي وقراءاتي لا أعدّل من مشيتي لأجله، ولا أسأله عن حماقة إيماءاتي حينما أنسى أنه يرافقني دائماً، لطالما اختبأ نصفي فيه خلف جدار متهدّم.. أو خلف سور مقبرة بكيت على بابها طويلاً، أو حتى هرب مني نحو البحر ساعة غروب.. أو ربما تملّق لصحراء بعيدة قاحلة ذات شروق طويل... أما عنّي.. فحسبه منّي أنني لم أسر به بين أشجار شائكة ليُدمى، ولم أقف به على شاطئ عتمةٍ وأنا أعلم أنه يغرق بشبر ليل. حتى حينما أقف على رصيفٍ خائف يترقّب الطريق للعبور أخشى أن تدهسه سيّارة طائشة في زحام شارع يجهل أسماء عابريه! أو يدهسه عابر عابس في شارع مدينة متوحّشة مشمسة. إنه رفيقي الدائم كلما وقفت في الضوء.. ومع ذلك لا يتخلله مثلي كلما تعرّضتُ له، ذنبه في أخطائي وقوع الضوء عليّ وحجّته بمرافقتي إحساسي به. منذ الخامسة من عمري.. وأنا أتبع أبي نحو مزرعتنا التي تعجّ بالظلال النحيلة لعجائز النخيل، أسأله كثيراً عن هذا الظل الأحمق الذي لا يمل من تقليدي وتتبّعي حدّ الحنق.. أحاول كثيراً مراوغته بأن أفعل غير ما يستطيع.. كان يقول لي عليك أن تسبقه إن استطعت فأركض أركض لكنني لا أستطيع وحينما يدرك عجزي يضحك ويقول لي حسبك أنك تحاول وعليك أن لا تتوقّف عن محاولاتك..! وهأنذا حتى منذ رحيل أبي منذ أكثر من أربعة عقود ما زلت أركض وكلما غلبني التعب أخذته معي لليل حيث لا أعرف حينها أين يقيم في السواد حولي...! هذا الظل القاتم ليس إلا انحجاب الضوء بك عنك عند أهل الفيزياء ..لكنه عند شاعر -ربما أحمق مثلي- رفيق ثقيل أو خفيف لا فرق يشبهني بما لا يشبهني حين يفعل ما أفعل صورةً حمقاء بغموضها مطيعة بغبائها مملّة حينما تطيل النظر إليها.. فاصلة: من هنا.. كنتُ أمضي صباحًا إلى الجامعة.. حين كنا معًا.. كنتَ لي إمّعه افترقنا مدًى أيها الظلُّ كلٌّ قضى شأنه يومها قلتُ يا صاحبي صاحبٌ لايسيرُ أمامكَ إن سار خلفك لن تتبعَه..!