ربما المعاناة التي نلمحها في المشهد الثقافي غير مقتصرة على الثقافة العربية، بل باتت من ملامح تسم الثقافات في العالم كله، ولو نظرنا إلى هذه المسألة من ناحية ضيقة، كي تتضح الفكرة، فإن الجوائز الأدبية التي باتت رائجة في عصرنا هي الزاوية المثلى التي تظهر من خلالها المعاناة، ولعلنا نلحظ ذلك من التجاذبات النقدية التي تتناول كبرى الجوائز في عصرنا، وفي مقدمتها جائزة نوبل، بين مهاجمة لهذه الجوائز، ورفضها، وبين قبول لها ومحاولة تبريرها، ولا شك أن الساحة الثقافية العربية باتت تشهد كثيراً من الجوائز الثقافية والأدبية، وإذا كنا ندرك أن إرضاء الناس جميعاً حول جائزة ما، أو حول مبررات وجودها، أو نيلها من قبل أديب ما، ستبقى غاية لن تُدرك، منذ أن وجدت جذور هذه الجوائز القائمة على التنافس بين الشعراء في عصر ما قبل الإسلام إلى عصرنا الراهن الذي نحيا به، فإن السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه هل نحن في حاجة ماسة إلى دراسات أكاديمية إحصائية وعلمية ترصد أهمية الجوائز، وحديثنا هنا سيقتصر على مجال الأدب، وتدرس تأثيرها في المتلقي العربي سواء أكلن منتجاً لهذا الأدب أم متلقياً متذوقاً له، وإذا سلّمنا أنه ما من جائزة إلا وتعترضها صعوبات وشوائب عدة، فكيف يمكن استثمار هذه الجوائز في تطوير الفعل الإبداعي ووضعه في موضعه الذي يستحق، وبصياغة أخرى كيف نعيد العمل الإبداعي إلى موقعه الذي يستحق في حياتنا الثقافية؟

لا شك أن ما يشهده عصرنا من طمس لإنسانية الإنسان، ومحاولة رقمنته، إن صحّت التسمية، حوا تحول تفاصيل الحياة إلى شاشات باتت تسيطر عليه، قضى على كثير من الجوانب الجمالية في حياته، وحوّل نظره من مراقبة الجمال باعتباره بعداً أساسياً مكملّاً لإنسانية الإنسان، ليصبح العالم الإلكتروني هو المسيطر على كل ما يحيط بحياتنا، من هنا بات المشهد الثقافي والإبداعي مشهداً هشّاً أو غير مؤثر في الحياة، إذا ما قيس بمؤثرات أخرى باتت تحكم حياتنا، ومن هنا فإن الدور الأكبر الذي يقع على عاتق القيمين على الجوائز الأدبية الآن، والتي ستولد مستقبلاً يتمثل في استثمار تقانات هذه العصر في الترويج لثقافة إبداعية تسهم في تعزيز الجانب الروحي والجمالي في حياة البشر، ولعل المثال الأقرب إلى ذلك ما بتنا نشهده في المسابقات الشعرية التي تقدمها بعض القنوات الفضائية، أو في المسابقات العالمية والمحلية التي تعزز دور القراءة في حياة الناس، عبر تكريم القرّاء الصغار، وغيرها كثير، فلاشك أن هذا التواشج بين الصورة التي تقدمها تلك القنوات، والفعل الإبداعي المطلوب تعزيزه في حياتنا هو أمر ضروري في إعادة الحياة إلى الحياة الثقافية التي تعد منابرها التقليدية المتمثلة في منابر الإلقاء، أو الأمسيات الأدبية في المراكز الثقافية قادرة على تلبية الطموحات في إعادة نشر الثقافة بين متلقين بات وسائط الاتصال الحديثة هي وسيلتهم الأولى لتحصيل الثقافة، وباتت فيه شمس الكتاب التقليدي قريبة من الأفول.

لا شك أن للجوائز الأدبية التي نشهدها في عصرنا فوائد جمة في إعادة المشهد الثقافي إلى حيويته، ولا شك أنه هذه الجوائز يعتريها الضعف من جوانب عدة، ومن جملتها صيغتها في تحكيم العمل الأدبي، ولكن لا شك أن كثيراً من تلك الصعوبات يمكن تجاوزها بالسعي للوصول إلى صيغ أفضل وأمثل، ولكن لا شك أننا رغم كل ذلك في أمس الحاجة إلى مثل هذه الجوائز في حياتنا الثقافية، لا سيما منها تلك الواسعة الانتشار والتأثير، التي تقدم على قنوات فضائية لها حضورها في حياة الناس، لان ترابط الفعل الثقافي مع العالم التقني الذي لم تعد إشاحة النظر عن دوره الكبير والفعال مجدية، لأنه بات أمراً واقعاً رضينا أم لم نرضَ. ومن هنا فالمطلوب هو البحث عن طرق الاستفادة المثلى من التقانات الحديثة في إنجاز جوائز أدبية تعيد المتلقي والمبدع إلى موقعهما الحقيقي في المشهد الثقافي، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جهود مؤسسات ونوايا حسنة، ومحبة لهذه الغاية الأسمى، وهو ما نزعم أنها ما زال موجوداً، فقط يحتاج إلى الشروع بالعمل.