الحديث عن الموارد البشرية هو حديث عن أهم عنصر في المنظمات كافة وهو العنصر البشري، وهو حديث عن مفهوم يتسم بالشمولية لا يقتصر على التوظيف والرواتب لكنه حسب المفهوم الحديث يشمل كل ما يتعلق بالموظف وعلاقته بالمنظمة إنسانياً ومهنياً لتحقيق الأهداف المشتركة للفرد والمنظمة.

وسط زحمة الروايات وكتب تطوير الذات في معرض الكتاب بأبو ظبي توقفت عند كتاب بعنوان (مذكرات مدير موارد بشرية) لمؤلفته الدكتورة نهلة عبدالله الحاج، وإصدار مداد للنشر والتوزيع.

الكتاب نتاج خلفية علمية، حيث تحمل المؤلفة دكتوراة في العلوم الإدارية، ونتاج خبرة عملية في ميدان الموارد البشرية وصلت بها إلى مستشارة موارد بشرية وموجه قيادية ومدربة معتمدة. الكتاب حسب وصف المؤلفة (كتابي يحكي عن ممارسات الموارد البشرية في بيئتي المحلية مختلطة بين نصائح الخبراء وأفكار الأدبيات مصبوغة بتجربتي الإنسانية حيث الأحداث لا تمر بنا لكنها تمر من خلالنا لننمو بها).

يتطرق الكتاب إلى موضوعات متنوعة ومهمة في هذا المجال من ضمنها السعادة في بيئة العمل، وتقييم الأداء السنوي، وسحر التحفيز، والولاء المؤسسي، والتدريب والتطوير، والرضا والاندماج الوظيفي وغيرها.

أتوقف عند موضوع بعنوان (الجانب الأكثر ظلمة في وظيفة الموارد البشرية).. في هذا الموضوع تتطرق المؤلفة إلى فصل الموظف وتعده من أصعب القرارات وأكثرها ألماً، وهو فعلاً كذلك لأنه يتطلب كما أشارت المؤلفة إلى مهارة يحضر فيها القلب والعقل معاً، إذ تتطلب الكثير من التدقيق في الوثائق وقدرة على إدارة الذات والمشاعر.

تجربة المؤلفة في إنهاء خدمة موظف جعلها حين تكلف بهذه المهمة تخطط لاتباع بعض الخطوات، ومنها:

  • منح نفسي راحة في اليوم السابق ونوماً كافياً حتى أتمكن من إدارة ذاتي بشكل أفضل.

  • اختيار مكان بعيد عن مقر عمله الأصلي وفي مبنى مختلف.

  • إرسال دعوة لا تمت بصلة إلى إنهاء الخدمة، وتكتفي باجتماع مع إدارة الموارد البشرية.

  • التأكد من مكان جلوس الموظف بحيث لا يظهر للمارة.

  • توفير محارم وماء في الغرفة.

  • التأكد من كافة الوثائق والرسائل الإلكترونية المتصلة.

  • التأكد من دقة بيانات نهاية الخدمة.

  • وضع سيناريو لتدرج المحادثة.

  • فصل البريد الإلكتروني وكافة البرامج المتصلة بالمنشأة بعد الاجتماع مباشرة وأحيانا قبل الاجتماع بدقائق خوفا من أي ردة فعل يعلم بها العملاء أو تسيء للمنظمة.

  • منح فرصة للراحة بعد الاجتماع بما يضمن عدم وجود اجتماعات مهمة أو قرارات رئيسة.

  • التكتم التام على كافة تفاصيل الاجتماع لضمان خصوصية الموظف.

    يتضح من الخطوات السابقة التي تتبعها مديرة الموارد البشرية في إنهاء خدمة الموظف مراعاة الجانب الإنساني، والحرص على السرية، وأن تتم مقابلة إنهاء الخدمة بهدوء للطرفين، هذا في حالة فصل الموظف نتيجة مخالفة النظام أو ممارسات لا يمكن تجاهلها مثل الاختلاس. هنا تبرز بعض الأسئلة: ماذا عن إنهاء الخدمة بسبب الأزمات الاقتصادية، أو بسبب الضيف الذي لا يمكن إقفال الباب في وجهة وهو التقنية الذي يملك مفتاح الباب، ويطلب من الموظفين المغادرة من الباب الآخر؟ وهل سيتم فصل البريد الإلكتروني وكافة البرامج المتصلة بالمنشأة.. إلخ، كما جاء في إحدى الخطوات المشار إليها إذا كان إنهاء الخدمة بسبب التقنية حفاظاً على سمعة المنظمة؟ ما الذي يسيء للمنظمة إذا كانت على ثقة أن إنهاء الخدمة لموظف أو موظفين مبرر ولا يتعارض مع النظام؟ هل من حل لمنع التقنية من صناعة البطالة؟

    المديرة –مؤلفة الكتاب– لها تجربة في إنهاء خدمة الموظفين وحين سؤالها عن مشاعرها كانت إجابتها: "إن أهم مهارات الموارد البشرية هي الحفاظ على ممتلكات المنظمة والنظام المتبع فيها، وبما أنني كنت متأكدة من إثبات المخالفة وتكرارها وتوثيقها، كنت قادرة على إدارة الموقف، وربما شعرت بالأسى للموظف ولكنني كنت مدركة أن قرار الفصل كان نتاج فرص متتالية منحت للموظف، ولضمان سير العمل في المنظمة".

    أختم بوجهة نظر أرى فيها أن أخطاء الموظف إذا كانت غير متعمدة أو كان السلوك لا علاقة له بأخلاقيات العمل، فهنا لا بأس من حضور الجانب الإنساني وفتح باب المرونة للبحث عن خيارات أخرى قبل قرار الفصل مثل التدريب والتطوير أو تغيير طبيعة العمل، وقد تتيح هذه الخيارات -وهي الفرصة الأخيرة للموظف- اكتشاف مهارات جديدة لم تكن معروفة من قبل.

    كتاب مذكرات مدير موارد بشرية يتضمن موضوعات ممتعة أكثر جاذبية من موضوع إنهاء خدمة الموظف، وسنعود إليه -إن شاء الله- في مقالات قادمة لتعويض القارئ وخاصة من يعمل في مجال الموارد البشرية.