الموت في الأدب، أو أدب الموت كما يطلق عليه البعض، ثيمة كتبت عنها أكثر من مرة، ليس لأن الموت كحقيقة لا مفر منها يشغلني، لكن لأن موت الأحبة وفراقهم هو ما يشغلني، وما حدث تحديدا هذه المرة أن صديقة قضيت معها أوقاتا كثيرة وطويلة، غادرت الحياة فجأة وحين عرفت أصاب مشاعري شلل لم أعرف معه كيف أتصرف، لجأت إلى الأدب، الأدب الذي دائمًا كان رفيقي ومعاوني على اكتشاف نفسي والتربيت على مشاعري.
ماذا أتوقع منه، الأدب أقصد في التخفيف عني، أو على الأقل أن يشغلني في البحث كي أنسى ما حدث، البحث عن كيف تداول الأدباء الموت في أدبهم، كيف عبروا عنه، هل أشغلهم هاجس إصابتهم به أم هاجس الفقد. وهل ستنجح قراءتي لما كتبوا في تمكيني من التخلص من حالة شلل الإحساس المستمرة منذ البارحة.
هل لو قرأت البيت الشهير لزهير بن أبي سلمى:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب .. تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم، سيجعلني ذلك أسلو وأتعامل مع الموت بخفة وعدم مبالاة، ولماذا أصبح هذا البيت شهيرا لهذه الدرجة وهو لم يأت بجديد، لا صورة بديعة ولا تركيب جمالي، فقط حقيقة مجردة يعرفها الجميع. لكنني مخطئة، ربما التعود على البيت جعلني أقول ذلك، الجديد هو أنه يصور الموت كالناقة العمياء التي تسير بلا دليل فتقتل من يقف في طريقها بلا تخطيط أو هدف ولا مراعاة لسنه إن كان كبيرا أو صغيرا، وهذا البيت لن يخفف عني وليس له مناسبة مع موت فرانسيس، صديقتي التي توفيت قبل أيام، لم تكن صغيرة في السن، سأبحث عن قصيدة تتحدث عن كيف أن الموت بديل أفضل لمن يعانون في الحياة، يذكرني ذلك بقريبتي التي عانت طوال حياتها لكن رحيلها لم يكن خفيفا أو عابرا على والديها وإخوتها، أين هي القصائد التي يمكن أن تسعفنا عند رحيل الأحباب.
طرفة بن العبد يقول:
فإن مت فانعيني بما أنا أهله ..
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
فرانسيس لا تعرف طرفة، ولا تنتظر من أحد أن يشق عليها جيبه، ولن تعرف ابنتها أنني كتبت هذا المقال في ذكراها، مرة أخرى تنقذني الكتابة، حتى من المشاعر التي لم تطرقني بعد. سأكمل البحث في معاني الموت التي تطرق لها الأدباء في أدبهم.. ربما نفعني ذلك في مرات قادمة، المرات التي تخبط بها العشواء غيري وتتركني أبحث عن معنى أو سلوى.
التعليقات