العالم كله يـواجه تحدياً ديموغرافياً فيما يخص التقاعد، فالمتوقع زيادة أعـــداد المحالين في الأعوام القادمة، واستناداً لأرقام مؤشر (ناتيكسيس) العالمي للتقاعد، فإنهم سيصلون في العام 2050 إلى قرابة مليار وست مئة مليون شخص..
الرواتب التقاعدية لموظفي الدولة في المملكة تترواح ما بين 800 دولار وما يزيد قليلاً على 9 آلاف دولار شهرياً، والمبالغ السابقة تشمل التقاعد النظامي بالراتب الأساسي للمدنيين والعسكريين، وحوالي 57 % من المتقاعدين وفق الأرقام الرسمية يدخلون ضمن الشريحة الأولى، ويعانون من تحولات كبيرة في أوضاعهم الاقتصادية بعد التقاعد، والتعاقد مع المتقاعد المؤهل والخبير متاح من الناحية النظامية، وعلى وظائف استشارية وتدريبية فعلية وليست شكلية، ولكنه موقوف بمزاج من يتعاقد معه ومواقفه الخاصة منه، بالإضافة إلى أن المجتمع المحلي لا يتعامل مع المتقاعدين كما يجب، ولا يمنحهم الفرصة لنقل معارفهم وخبراتهم للآخرين، وينظر إليهم وكأنهم كائنات تنتظر الموت، ولا يضع في حساباته حتى أن التزاماتهم تزيد بمجرد ترك الوظيفة، أو يقدر النقص الكبير في رواتبهم، واحتمال وصوله لما يزيد على 33 %.
أعرف أن ملف التقاعد تتحمله وزارة المورد البشرية، وتحديدا مؤسسة التأمينات الاجتماعية بعد صدور قرار الحكومة في يونيو 2021، الذي جعلها مظلة تأمينية لكل أنظمة التقاعد في المملكة، وضم لها نظامي التقاعد المدني والعسكري، ومعهما نظام التأمينات الاجتماعية لموظفي القطاع الخاص، وهو أمر جيد ومطلوب، بالنظر إلى مستهدفات رؤية المملكة لهذا القطاع، فالدمج سيجعل أصول التأمينات تصل إلى قرابة 250 مليار دولار، بحسب بلومبيرغ، وسيجعلها بين أكبر عشرة صناديق للتأمين الاجتماعي في العالم، وربما جاء لمعالجة مشاكل مؤسسة التقاعد، ولتحقيق كفاءة التشغيل والاستثمار بمعرفة شركة (حصانة) الذراع الاستثماري للتأمينات، فقد تجاوزت الاستحقاقات السنوية للمتقاعدين الحكوميين، في عام 2019، ما قيمته 20 مليار و700 مليون دولار، وفي المقابل كانت الاشتراكات أو الاستقطاعات بقيمة تزيد قليلاً على 12 مليار دولار و 500 مليون دولار، ما يعني أن العجز السنوي قيمته ثمانية مليارات دولار ومئتي مليون، وهذا الفارق يتم تأمينه من استثمارات مؤسسة التقاعد، والسبب في ذلك التقاعد المبكر، وأن هناك متقاعدين يستمر الصرف عليهم وعلى ذويهم لمدة 25 عاماً.
العالم كله يـواجه تحدياً ديموغرافيا فيما يخص التقاعد، فالمتوقع زيادة أعـــداد المحالين في الأعوام القادمة، واستنادا لأرقام مؤشر (ناتيكسيس) العالمي للتقاعد، فإنهم سيصلون في عام 2050 إلى قرابة مليار وست مئة مليون شخص، وهذا سيضغط بالتأكيد على أنظمة التقاعد العالمية وقدرتها المالية، وفي عام 2022، تصدرت النرويج قائمة أفضل عشر دول لأمن التقاعد العالمي، ومن ثم سويسرا في المرتبة الثانية وآيسلندا في الثالثة، بينما شغلت الـــــولايات المتحـــدة المرتبة السابعة عشرة في رفـــاهية المتقاعدين.
مشاكل صنـــــاديق التقاعد متشابهة، ومن الأمثلة، ألمــــانيا التي تدرس رفـع سن التقاعد إلى سبعين عاماً، لموازنة الضغط علـى صناديقها التقاعدية، والصيــن وتخطيطها لرفع تدريجي في سن التقاعد لذات السبب، وفي فرنسا سيتم رفع السن إلى 64 عاما، ما سيوفر عليها 18 مليار يورو من الرواتب التي تصرفها على المتقاعدين سنوياً، ولا تستوعب صناديق التقاعد في المنطقة العربية، بحسب تقارير البنك الدولي إلا 35 % من مواطنيها المتقاعدين، وأعتقد أن دول الخليج تمثل الجزء الأفضل في المعادلة.
توجد نظرية يابانية اسمها (ايكيجاي) وفيها مساعدة للمتقاعد على إعادة اكتشاف ذاته، واستثمار قدراته في حياة منتجة ومبهجة ومريحة، بعيدا عن رحمة صناديق الموت التقاعدية، ومن المقترحات الغربية الجيدة لمعالجة أزمة التقاعد، إطالة العمر التقاعدي على حساب تقليص ساعات العمل، وبما يساعد الشخص في أن يعطي أكثر بجهد أقل حسب قدراته الجسدية، بخلاف أن الدراسات أكدت ارتفاع الإنتاجية بشكل عام، في حال تقليص ساعات العمل، والإحساس بالقيمة عن طريق العمل، في رأي المختصين، يسهم في وصول المتقاعد لصحة أفضل وحياة أطول والعكس صحيح، وخصوصاً في الوظائف التي يفترض استمرار أصحابها لما بعد الستين عاماً، كالإعلام والعمل الأكاديمي والطب، لأنها تحتاج إلى مهارات متراكمة لا يجيدها الناس في فترة قصيرة.
الأهم أن الرواتب التقاعدية الحالية مع تواضعها تصرف بالسالب، ورغم وجاهة المطالبات بتعديل أنظمة التقاعد السعودية، والعمل على صــرف علاوات للمتقاعدين أسوة بعلاوات الموظفين السنوية، لمواجهة التضخم في أسعار تكاليف المعيشة، والتراجع في القوة الشرائية للريال السعودية بمعدل النصف خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية، فالحلول العملية تكون بإقرار برامج حماية اجتماعية للمتقاعـدين، لا تسقط بوجود راتب تقاعدي، وكذلك بطاقة خصــــومات تمـــوينية لهــــم دون غيرهم، أو في المتطلبات الأساسية التي يحتاجونها، وبالأخص كبــــار السن وذوي الدخل المحدود، واستثنائهم بأسعار أقل في فواتير الخدمات العامة، وتوفير نوادي رياضية ومراكز اجتماعية وصحية تعمل على خــــدمتهم، فقد وصلت أعدادهم في هذه الأيام لنحو مليون متقاعد من الجنسين، وقد قدم مؤشــر المعاشات التقاعدية (ميرسر) فـــي عام 2022، نمــــاذج لأفضل أنظمة التقـــــاعد في العالـم، وحددها بآيسلندا وهولندا والدنمارك، ولعل فيها تجارب يمكن توطينها أو تطويرها لتناسب واقع التقاعد في المملكة.
التعليقات