أكد الكاتب والروائي الرقمي الأردني الدكتور محمد سناجلة، أن الأدب التقليدي يعيش لحظة تهديد وجودي، وأن الإنسان الافتراضي يحتاج أدباً مختلفاً يعبّر عن مشاكله وهمومه وآماله وأحلامه وانكساراته. مشيداً بتنوع وغنى المشهد الثقافي السعودي، ونجاح المملكة في تسويق هذا المشهد من خلال معارض الكتاب. منوهاً بتطور الرواية السعودية، وتصدرها الساحة العربية، وفوزها بجوائز عربية وعالمية. داعياً الكُتَّاب من جيل الشباب في السعودية لزيادة جهودهم في مجال إنتاج الأدب الرقمي، وتطوير أدواتهم لمواكبة العصر؛ فالرهان كله على الشباب لاسيما جيلي «ألفا وزد»، وهما أبناء الثورة الرقمية بامتياز. جاء ذلك في حوار أُجري معه على هامش مشاركته في فعاليات معرض المدينة المنورة للكتاب 2023.. فإلى نص الحوار:

معارض الكتاب أثْرتْ المشهد الثقافي السعودي

  • يعد الأدب الرقمي من الآداب الإبداعية.. ما مفهوم هذا الجنس الأدبي ومستقبله؟

    • نحن نعيش عصراً جديداً اصطلح على تسميته بالعصر الرقمي، وفيه ولد إنسان جديد تماماً، هو الإنسان الافتراضي المنغمس الذي يعيش في مجتمع جديد هو المجتمع الرقمي، وفي هذا المجتمع كل تناقضات البشرية وآمالها وأحلامها وانكساراتها وطموحاتها منذ أن بدأ الاجتماع الإنساني، وفي هذا المجتمع "تجارة وسياسة وحرب وتعليم وحب وكره ووفاء وغدر"، وهناك حرية لا حد لها، وثقافة وأدب، وسؤال مُلح: أيُّ أدبٍ هذا القادر على التعبير عن الإنسان الافتراضي المنغمس الذي يعيش في المجتمع الرقمي؟ وهل الرواية أو الشعر أو القصة أو المسرح، بشكلها التقليدي، قادرة عن التعبير عن الإنسان الافتراضي المنغمس الذي يعيش في المجتمع الرقمي، أم نحتاج إلى أدب آخر ورواية أخرى؟.
  • هل نحتاج أدباً مغايراً ومختلفاً يجمع "الرواية والقصة والشعر والمسرح"؟

    • جمع الأجناس الأدبية في جنس إبداعي جديد ليس أدباً خالصاً، بل هو مزيج من الأدب والتقنية التي تحتوي السينما والصورة والحركة والجرافيكس لتنتج (أدباً) يتسق تماماً مع روح العصر الرقمي والثقافة المشهدية التي خلقها، ولغة جديدة مختلفة تماماً تغدو الكلمة فيها جزءاً من كل، وبالتالي كاتب جديد وناقد جديد أيضاً، العصر الرقمي بإنسانه الافتراضي ومجتمعه الجديد المختلف يحتاج إلى كتابة من نوع جديد، كتابة مختلفة لتعبر عنه وعن مجتمعه، لكل عصر وسائله وأسلوبه وطريقته في قول المعنى، وبعد التفكير العميق في التحولات الكبيرة التي طرأت على البشرية نتيجة الثورة الرقمية، فليس مقبولاً ولا حتى ممكناً التعبير عن معنى الوجود الإنساني المستجد باستخدام وسائل عتيقة وأجناس إبداعية قديمة.

وبناءً على ما سبق، فإن الأدب الرقمي هو ذاك الأدب الذي يستخدم الأشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي، وبالذات تقنية النص المترابط (هايبرتكست) ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صورة وصوت وحركة وفن الجرافيك والأنيميشنز المختلفة، ويدخلها ضمن البنية السردية أو الشعرية، لتعبر عن العصر الرقمي والمجتمع الذي أنتجه هذا العصر، وإنسان هذا العصر، الإنسان الرقمي الافتراضي الذي يعيش ضمن المجتمع الرقمي الافتراضي. والأدب الرقمي هو أيضاً ذاك الأدب الذي يعبر عن التحولات التي ترافق الإنسان بانتقاله من كينونته الأولى كإنسان واقعي إلى كينونته الجديدة كإنسان رقمي افتراضي منغمس.

  • علاقة الألعاب الإلكترونية بالرواية الرقمية.. ولماذا تراهن عليها؟

    • إدراك أبعاد هذه الثورة الجديدة ليس سوى البداية فقط، ويتبع ذلك الاستيعاب والتطوير والتدريب ثم إنشاء طرق تعبير جديدة وخلاقة عن الإنسان الجديد، والمجتمع الجديد ومشاكله وآماله وأحلامه وانتصاراته وانكساراته وهزائمه وأمراضه وعلاقاته المتشابكة؛ كي يبقى الأدب الذي يعيش لحظة تهديد وجودية كبرى تشي في بعضها تجلياتها بانتهاء مهمته وموته واندثاره لصالح أشكال تعبيرية جديدة ليس أقلها الألعاب الإلكترونية؛ التي ترسم نوعاً جديداً ومختلفاً من (الأدب) يستقطب مليارات البشر في كل فجر جديد، ويكفي أن نعلم فقط أن عدد مستخدمي الألعاب الإلكترونية في العالم اليوم يصل إلى 3.24 مليارات لاعب؛ أي حوالي نصف البشرية، ومتوسط أعمار هؤلاء اللاعبين هو 35 سنة، ويوجد داخل هذه الألعاب روايات وقصص كاملة ومبدعة تحتوي على سير وقصص أبطال هذه الألعاب، كما يوجد مجتمعات رقمية شاملة يعيشها اللاعبون، ومع دخول الميتافيرس واندماج الواقعين الافتراضي والحقيقي في واقع جديد منغمس ومعزز نستطيع أن نرسم صورة متخيلة لمستقبل الأدب.
  • كيف تقرأ الرواية السعودية عربياً وعالمياً؟

    • الرواية السعودية رواية متطورة وفرضت نفسها على الساحة العربية، وليس أدل على ذلك من فوز عدد من الروائيين السعوديين بجوائز عربية وعالمية مشهود لها؛ مثل جائزة البوكر، وشخصياً كانت بداية تعرفي على الرواية السعودية من خلال رواية "ترمي بشرر" لعبده خال؛ وهي الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية عام 2010م، ومن الروايات السعودية المميزة التي حفرت في ذاكرتي رواية "موت صغير" للروائي السعودي الدكتور محمد حسن علوان، وهي رواية مدهشة بعوالمها وأحداثها، وهناك طبعاً روايات رجاء الصانع وغيرها من الكتاب والكاتبات السعوديين الذين اطلعت على تجربتهم، واستمتعت كثيراً أثناء قراءتهم.
  • تقييمكم للمشهد الثقافي السعودي ومعرض المدينة المنورة للكتاب في نسخته الثانية وفعالياته المصاحبة؟

    • المشهد الثقافي السعودي مشهد غني ومتنوع، وما ينقصه هو التركيز الإعلامي عليه، وفي هذا المجال نجحت المملكة في تسويق المشهد الأدبي السعودي من خلال معارض الكتاب؛ مثل معرض الرياض الدولي للكتاب ومعرض المدينة المنورة للكتاب وغيرهما من المعارض، فضلاً عن المؤتمرات والندوات الأدبية المتعددة التي تعقدها؛ وهو ما ساهم في إثراء المشهد الثقافي في المملكة، كما كان لتأسيس هيئة الأدب والنشر والترجمة في عام 2020، دور كبير في الأخذ بيد المبدعين السعوديين، وبالذات الشباب منهم، ودعمهم ومساندتهم لتحقيق طموحاتهم الأدبية والثقافية، وهذا أمر حيوي يسهم في تحقيق تطلعات رؤية السعودية 2030، والاستراتيجية الوطنية للثقافة؛ التي تسعى لجعل الثقافة نمطاً لحياة الفرد، وتمكينها من تعزيز مكانة المملكة الدولية، كما أن للهيئة دوراً مشهوداً في الارتقاء بالإنتاج الأدبي، وصناعة النشر، وتفعيل دور الترجمة من الآداب والعلوم لما لها من دور كبير في إثراء المشهد الثقافي السعودي والعربي في آن معاً.
  • مشروعاتكم الروائية القادمة؟

    • لدي حالياً كتاب جديد اسمه "العهد الآتي" يتحدث عن مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والعمل والزراعة والغذاء والإنترنت والذكاء الاصطناعي والأدب في ظل الثورة الصناعية الرابعة، وأستعد لنشره قريباً - إن شاء الله -.
معرض المدينة المنورة للكتاب