هل نطمع بالكثير، حين نتمنّى أن يتحلّى الجيل الجديد بمُميّزات الثقافة والأدب؟ 

وما الذي يقف عائقاً أمام ترسّمهم لأسلافهم من عُظماء الثقافة والأدب، والنهل من معين آثارهم الخالدة؟  

فالمُثقّف باختصار يتميّز  بحرصه على اكتساب العلم وزيادة رصيده المعرفي، وقُدرته على المناقشة بذهن مُنفتح، وبنقدٍ بنّاء، وامتلاك رؤيةً شاملة لكلّ موضوع يُطرَح على الساحة.. والمُثقّف أخيراً هو ‏مَن تنعكس ثقافته على سلوكِه وتصرفاته.

أما الأدب فهو أحد أشكال التعبير الإنساني عن مُجمل عواطفه وأفكاره وخواطره، بأرقى الأساليب الكتابية، لتفتح له أبواب القدرة للتعبير عما لا يُمكن أن يُعبَّر عنه بأسلوب آخر، فأدب أيّ أُمّة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أفكارها.

ونحن لا نحلم بذلك فقط، بل نُدرك أن ذلك مُمكناً، حين ندرس العوائق التي تقف أمام حُبّ الناشئين للثقافة والأدب بكُلّ وضوح، ونشرع في رسم الخُطط الكفيلة بوضع الحلول المُناسبة ونبدأ في تنفيذها على أرض الواقع.

فمِن أبرز أسباب إعراض الطُلّاب عن تذوّق الجمال في الأدب، مشهد يتكرّر في امتحانات المدارس، حين يقول الأستاذ المُمتحِن للطالب مثلاً: ماذا تحفظ من أدب «طه حسين»؟

فيُجيب الطالب بأنه يحفظ فقرة من كتاب «الأيّام»، وعندما يطلب المُمتحِن من الطالب أن يتلوها، فإنه ربّما يتلعثم أو يُخطئ أو ينسى، وتكون النتيجة أن يرسب طالبٌ، لأنه لا يحفظ ما كتبه «العقّاد» أو «القصيبي»، أو شِعر «شوقي» أو «المتنبي»!

ومن الأسباب المنفِّرة كذلك، التشديد في التطبيق الصارم لقواعد «النحو»؛ فيقول الناقد الأدبي الدكتور عبدالله الغذّامي، في ورقة قُدِّمت في مؤتمر (اللغة العربية وآدابها): «وهذه عِلّة اصطنعها أهل التخصّص، لكي يقيموا شرطهم الثقافي، ويتّخذوا له عِللاً مُصطنَعة. فاللغة العربية معنى حيوي وثقافي وتفاعلي، لا ينتظر النُحاة كي يديروا حركة سيره، ولا ينتظر الإشارات الحمراء لجُملة (قُل ولا تُقل)، بل سيظلّ الناس يقولون ويقولون، ويُنتجون اللغة، بل إن نُخبة المجتمع تمارس اللغة العربية الفُصحى، إنشاءً وإلقاءً، مع مهارة أسلوبية وتعبيرية، ويشعرون أن كلامهم يصل للناس مفهوماً ومتماسكاً في نصِّه وفي دلالاته، دون أن يأخذوا بشرط النحو».

وهذا الرأي يؤيّده «الدكاترة زكي مبارك» في كتابه «ليلى المريضة في العراق»، حين يقول: «إذا سكَّن التلميذ بعض أواخر الكلمات، فلا تفرض عليه أن يُراعي التحريك في كُلّ وقت، إلا إذا كان يهمُّك أن تختبره في الإعراب، فالعرب لم يلتزموا الإعراب في جميع المَواطن، ومعنى ذلك أن الإعراب لا يُطلَب إلا لتحديد المعاني».

وكذلك يقول د. «مبارك»، في أهميّة تيسير اللغة العربية على الأجيال الجديدة، من حيث قبول المُفردات البسيطة المُتداولة، وعدم الإصرار على وجوب استخدام الكلمات الواردة فقط في معاجم اللغة، فيقول: «إذا قال التلميذ: (الليالي القمراء)، فلا تُلزمه بأن يقول: (الليالي القُمر)، لأن الكُتّاب في العصر الحديث تسامحوا في هذه القضية».

ويقول: «إذا كتب التلميذ: (بائع متجوِّل)، فليس من حقّ المُصحِّح أن يشطب كلمة (مُتجوِّل)، ويضع مكانها كلمة (جائل)».

ويقول أخيراً: «إذا قال التلميذ: جلستُ على (السُّفرة)، فلا تُحتِّم عليه أن يقول: (المائدة)، لأن السُّفرة كلمة فصيحة، وإن كان العُرف نقلها من وضع إلى وضع».

وختاماً، فلا شكّ أن هناك أسباب أُخرى لو تمّ طرحها، وأُوجدِت لها الحلول المُناسبة، لظهرت أجيال تعشق الثقافة وتستمتع بجمال الأدب، فهل نحن فاعلون؟

أحمد بن عبدالرحمن السبيهين