حالة من الإلهام والعطاء المتنامي؛ تجسده منحة «أبحاث الشعر العربي»؛ التي أطلقتها وزارة الثقافة -مؤخراً-، حيث تسعى عبر مساراتها الستة إلى تقديم الدعم للأبحاث المتخصصة في مجال الشعر العربي، لتنمية الدراسات المعرفية التي تُحقق أهداف مبادرة «عام الشعر العربي 2023»، بهدف إثراء الإبداع الشعري المتطور والمستدام، وإبراز المكون الحضاري الشعري وتجذره في تاريخ الجزيرة العربية. وعلى إثر ذلك اتفق عدد من الأدباء والأكاديميين- في هذا التحقيق الصحفي- على أهمية مبادرة «أبحاث الشعر العربي» ودورها البارز في اكتشاف مكنوناته الأدبية والمعرفية..

«موهبة»

أكّد أستاذ البلاغة والنقد بجامعة أم القرى الدكتور ظافر بن غرمان العمري على انبعاث الفنون الأدبية والإنسانية من الموهبة، وقال: «تحتاج هذه الفنون إلى الجانب المعرفيّ في صقل الموهبة وتنميتها، وإثراء طاقاتها، والدراسات النقدية والأدبية تؤكد أهمية ثقافة الأديب، وصقل موهبته بالاطلاع على التجارب السابقة، والخبرات المعرفية في الفنون والآداب».

وتابع: «يعتمد الجانب المعرفيّ، والمكون الثقافي على الدراسات والأبحاث التي تعالج حاجات الموهبة الإبداعية، وتكشف جوانب التميّز، والقصور في إثراء الموهبة وتعزيزها؛ فالشعر العربي على مرّ العصور احتاج للنقد، والنقد عمل معرفيّ له أسسه التي يستمد منها الشعر شروط صحته، وجودته، وبراعته».

وعن مسار «الشعر بين الفصيح واللّهجات الدارجة» في المنحة، أوضح العمري أنّ الشعر الذي تنتجه اللهجات العامّيّة لا يمكن تجاهله، مؤكداً أنّ الربط بينه وبين الشعر الفصيح في البحوث والدراسات يحتاج إلى منهجية خاصة، وأردف: «الأجدى من ذلك أن تكون بحوث الشعر العامّيّ لها مساراتها الخاصّة، لأن الذين يعتنون بها في الغالب ليسوا ممن لهم عناية بالشعر الفصيح».

«هوية»

من جانبه، قال الشاعر محمد إبراهيم يعقوب: «أسهمت المدونة الشعرية العربية إبداعاً ونقداً ليس فقط في الثقافة العربية، بل في الثقافة الإنسانية أيضاً بنصيب وافر من الجماليات التي جعلت الحياة أرحب وأكثر ثراءً، وهذه الأبحاث تسهم عبر هذه المبادرة الرائدة في إضافة معنى إبداعي وجمالي وإنساني إلى المشهد الشعري العربي».

وتابع: «تتعدد روافد التجربة الشعرية لدى كل شاعر ولدى كل جيل من الشعراء، وليس أجمل إلى نصٍّ شعريٍّ من أن يجد قارئاً حصيفاً وناقداً متمرساً يذهب إلى أعماق الشعر ويضيف للنص الشعري آخر إبداعياً نقدياً يجاريه ويوازيه ويضيف إليه، وتزيد هذه المبادرات من اتساع الرؤية الجمالية والإنسانية للمتلقي المريد والبعيد على السواء وما الثقافة في المجمل إلا فضاءات من الإبداع والتلقي بكافة أشكاله وتوجهاته».

وأردف: «النظر إلى الشعر ينبغي أن يتمّ بمعناه الواسع، واللغة هي اللغة لكنها سماوات التلقي والتفاعل مع الحياة تختلف وتتكامل، والشعر هو الشعر في أي لغةٍ ولهجة؛ هويةٌ وكائنٌ حيٌّ وروحٌ تتعدّد وتلمس وتثري، ويمثل هذا التوجه عرفاناً للحياة الشاعرية بكل مكنوناتها وتجلياتها».

د. أحـلام القحطاني: إبراز المكوّن الحضاري الشعري

«مكانة»

وقالت أستاذة الأدب والنقد المشارك بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، الدكتورة أحلام القحطاني: «البحث العلمي من أهم الأدوات التي تسهم في نهضة الأمم، وارتقاء المجتمعات، عبر تقديم عدة نتائج من شأنها أن تثبت بعض النظريات أو تصحّحها، ومن المؤكد أنّ هذه المنحة عبر مساراتها المتنوعة، ستساعد في تأصيل وازدهار هذا الكائن الشِّعريّ القَلِق الجميل، الذي يمثّل هُويتنا العربية والسعودية الممتدة، ويثري مكتبتنا العربية بدراسات رصينة متجدّدة».

وأضافت: «حين نمعن النظر في هذه المسارات، نجد الذكاء والتنوّع والشمولية في اختيارها؛ إذ تسهم في تحقيق أهداف مبادرة عام الشعر العربي 2023م، من تعزيزٍ لمكانته في ثقافة الفرد، إلى إثراء الإبداع الشعري المتطوّر والمستدام، وصولًا إلى إبراز المكوّن الحضاري الشعري وتجذّره في تاريخ الجزيرة العربية، فالمسارات الستة تتواءم مع ما للمملكة من تجذّرٍ تاريخيٍّ عميق على كل الأصعدة».

ونوّهت القحطاني إلى أن مسار «الشِّعر والمكان» يعد عملاً مهمّاً، من شأنه أن يضيء دروب العقول والقلوب المتعطشة لهذا الفنّ المكتنز بهاءً وارتقاءً؛ نظراً لتنوّع بيئات المملكة العربية السعودية، وغناها التاريخي، والجغرافي، والحضاري، والرمزي.

د. ظافر العمري: الدراسات النقدية تؤكد أهمية ثقافة الأديب
محمد يعقوب: تُسهم المنحة في إثراء المدونة الشعرية