الجعيد قال لي: واجهنا لاعبين يأكلون الكرة في ملعب الصائغ
الحديث مع عميد المؤرخين د. أمين ساعاتي يتجدد ولا يمل خصوصاً ذكرياته الرياضية العريقة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ على مدى سبعة قرون ماضية، منذ ارتدائه شعار عميد الأندية السعودية (الاتحاد) لاعباً، وتمثيله شبلاً منذ عام 1374هـ - 1954م، متعه الله بالصحة والعمر المديد.
من تلك الذكريات حضوره نهائي أول كأس للملك يقام في العاصمة الرياض بملعب الصائغ عام 1381هـ - 1961م بين هلال الرياض ووحدة مكه المكرمة، وانتهى ذلك النهائي الخالد لصالح الهلال 3/2 وتحقيق أول بطولة في تاريخ «وصيف أندية العالم».
ويوم الجمعة قبل الماضي أعاد التاريخ نفسه بين الناديين عقب 63 عاماً بلقاء الهلال والوحدة على كأس الملك لهذا الموسم، الذي انتهى هلالياً كالعادة، لنجدها فرصة للغوص في أعماق الماضي واسترجاع ذكريات أحداث أول نهائي جمع العملاقين التاريخيين في حديث خاص لـ»الرياض» مع الدكتور أمين ساعاتي.
يقول عميد المؤرخين في مستهل حديثه: «كانت تلك المواجهة بين بطلي المنطقة الغربية والوسطى طبيعية جداً في مجرياتها، بدأت وانتهت دون أي مشكلات، وكانت حافلة بروح الإثارة والتحدي والأحداث الدراماتيكية بين الطرفين، واستمتع الجمهور بأهدافها الخمسة المتبادلة بين الفريقين».
الوحداويون فوجئوا بتفوق الهلال
جاء الوحداويون من مكة المكرمة وكانوا على يقين وثقة مفرطة بقدرتهم على إحراز الكأس لحداثة اسم خصمهم على الساحة الرياضية، إذ كان عمر الهلال التأسيسي آنذاك لا يتجاوز أربع سنوات ولأول مرة يصل إلى النهائي، بينما يحمل فريق الوحدة إرثاً بطولياً باعتباره بطل النسخة الأولى لهذه المسابقة عام 1377هـ والطرف الثابت في نهائي البطولات الأربع التالية لكأس الملك، خسر ثلاثاً منها أمام الاتحاد الذي كسبهم عام 1378هـ بالنقاط بعد تعادل الطرفين 1/1، والتقيا مجدداً في نهائي 1379هـ وفاز العميد 2/0، وفي نهائي 1380هـ وفاز الاتحاد أيضاً على الوحدة 3/0.
نعود لمباراة الهلال والوحدة في نهائي 1381هـ لنقول إن الوحداويين فوجئوا يومها بتفوق الفريق الهلالي واصطدموا بقوته الفنية ومهارة بعض لاعبيه أمثال الكابتن مبارك العبدالكريم والهداف رجب خميس ونجم الوسط سلطان مناحي -رحمهم الله-، وحاولوا إدراك الفوز إلا أن الهلاليين كانوا أصحاب المبادرة في التسجيل بإصرار على إنهاء المباراة لصالحهم وانتزاع اللقب الأول لهم واستلام كأس الملك من راعي المباراة بالنيابة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وكيل وزارة المعارف آنذاك -رحمه الله-.
أول بطولة.. نقلة نوعية
وحقيقة شكلت هذه البطولة نقلة نوعية من الناحية التاريخيه لأندية العاصمة، وكانت من وجهة نظري كمؤرخ حدث رياضي كبير من الناحية الرسمية وبالغ الأهمية لكونه أول مرة تدخل أندية الوسطى هذه المسابقة الغالية وتحظى برعاية على أعلى مستوى حكومي.. وبالفعل استطاعت المنطقة الوسطى ممثلة بهلالها من كسب الوحدة، ونجحت في مواجهة التحدي رغم قلة تجربة لاعبي الهلال وضعف خبرتهم لحداثة تأسيس ناديهم إلا إن عزيمتهم كانت فولاذية وإصرارهم أقوى من كل التوقعات في تلك المواجهة التاريخية التي كان بطلها الكابتن مبارك العبدالكريم ورفاقه الأبطال.
ذلك أن الوحدة كان مرشحاً وبقوة لانتزاع اللقب غير أن لاعبي الهلال كانوا في يومهم ودخلوا التاريخ بأروع إنجاز.
الهلاليون أكلوا الكرة بروح وثابة
وأتذكر حديثاً لي مع قائد الوحدة في تلك المباراة الكابتن عبدالرحمن الجعيد -رحمه الله- بعد خسارتهم للكأس حين قال لي: «كنا ضامنين للفوز والعودة بالكأس إلى مكة المكرمة غير أننا فوجئنا بلاعبين بروح وثابة وأداء قتالي، يأكلون الكرة أكلاً في ملعب الصائغ، وكنت أصرخ على زملائي لمضاعفة الجهد وترك الاستهتار لكنهم لم يبالوا بالفريق المقابل وكانوا متعالين على الكرة، ولم نصحو إلا على صافرة النهاية بهزيمتنا وراحت علينا البطولة للأسف».
ابن سعيد دخل التاريخ مع الهلال
وبسؤال عميد المؤرخين، ما الذي جعل نادٍ عمره التأسيسي أربع سنوات ينجح في أول تجربه له بالنهائي في الفوز بأهم البطولات الرسمية كأس الملك، أمام نادٍ له تاريخ ذهبي في هذه المسابقة؟
أجاب د. أمين ساعاتي قائلاً: «سر تفوق الهلال يكمن في شخصية رئيسه ومؤسسه الكبير عبدالرحمن بن سعيد -رحمه الله- الذي نجح بعد توفيق الله في تهيئة فريقه وتمكينه من تحقيق هذه المعجزة الكروية والاستمرارية في تحقيق المعجزات البطولية حتى اليوم».
وأضاف: «مازالت روح ابن سعيد تحلق في سماء الهلال وكيان النادي في كل موسم وثابة متفائلة بالنتائج الإيجابية.. ترفرف بقوة في ميادين التحدي وساحات البطولات حتى اليوم».
ميولي هلالية بعد الاتحاد
وفي مرحلة من حياتي العملية عشت قريباً من مؤسس الهلال وعملت معه في أروقة النادي مشرفاً على النشاط الثقافي في النصف الثاني من الثمانينات الهجرية، وكان مقر النادي في منتصف شارع الظهيرة، ولا أخفيك سراً أنني أشجع الهلال بعد الاتحاد، وكنت أرى ابن سعيد دائم التفاؤل ويصر على تحقيق الأهداف التي يؤمن بها، وإذا تعرض لمشكلة يبذل مجهوداً مضاعفاً لمعالجتها وصولاً لتحقيق أهدافه. كان -رحمه الله- شغوفاً بإحراز الانتصارات ولديه آمال عريضة ومتفائل إلى أقصى درجة في صنع النجاح.
مبادئ راسخة وقيم رفيعة
وكان يخرج من كل المشكلات التي يواجهها منتصراً بمبادئه الراسخة وقيمة الرياضية الرفيعة، ولا شك أن عناصر نجاح المنظومة الزرقاء لهذا النادي العملاق تكمن في نجاح الفكر الإداري والفني الذي وضع أسسه عبدالرحمن بن سعيد للزعيم.









التعليقات