أثار المؤتمر الوطني للإعلام الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في نفسي كثيراً من التساؤلات والمفارقات التي أحملها معي منذ أكثر من أربعة عقود كإعلامي سعودي.. الأمر ليس مرتبطاً بذكريات جميلة وأخرى مؤلمة.. بل بكيفية هذا الإعلام وهل أحسنّا إليه.. وهل أحسن لبلادنا؟!

هنا مربط الفرس.. لكن بدءًا لا بد من التأكيد على أن للإعلام دوراً مهماً حيوياً ومؤثراً على المجتمع سواء من الناحية النفسية والفكرية أو الانتمائية.. وأيضاً لا بد من الاعتراف أن هناك إعلاماً خارجياً وقحاً مرتكزه العبث ويعمل على تشويه صورة كل ما هو سعودي.. وبين هذا وذلك تعلمنا من مؤسسي هذه البلاد العظيمة ومن قادتنا الذين يقودون الرؤية الصادقة والمستقبل المشرق أننا لا بد أن نكون ملتزمين بالأخلاق والمبادئ.. لا.. أن نكون كاذبين وقحين كما أولئك؟!

لدينا مبادئ وبين أيدينا آلة إعلامية قوية أنشأناها بجهدنا ومالنا وتأثيرنا وقادة فكر وعمل إعلامي مميزين.. نستطيع من خلالها ليس إيقاف أولئك الأفّاكين بل دحرهم.. ورغم مقوماتنا هذه إلا أننا نعترف أن إعلامنا مازال لا يرتقي لتطلعاتنا، وكأن مهمة هذا الإعلام أن يكون متسامحاً في كل شيء حد أن لا يعنيه غير ذلك.. ولن نحمّل الوزير الجديد الأستاذ سلمان الدوسري مسؤولية ذلك من جراء أنه استلم مهامه قريباً جداً، لكن نسعد به لأنه عايش وعرف وأدرك.. ليكون العارف تماماً ما يحتاجه هذا الإعلام.. ومتفائلون بأنه سينهي عباءة البيروقراطية والتقليدية التي ما زالت آثارها باقية في الإعلام السعودي.

لنقف أولاً أمام منجزات بلادنا وإيجابياتها.. فهل لم يكن بمقدور إعلامنا تقديمها بالصورة التي نتمناها..؟ والأكيد أن ليس الجسر البحري من السودان ولا تصدر العالم علمياً عبر أبنائنا.. ولا حتى القمة العربية وتأثيرها الكبير الذي عرفه العالم.. تلك أمثلة أضربها لأنها قريبة جداً.. فهل قدمناها بالصورة التي تستحقها..؟ وهنا أقول عفواً قد يكون هناك إعلام خارجي ساهم معنا.. لكن ماذا عنّا نحن كإعلام سعودي..؟ هل فعلنا قبل "خارجياً" أن نجعله فعلاً تنويرياً فكرياً ومحل فخر لأهل هذه البلاد ولو حتى بإسعادهم بتلك المنجزات.. أم أنها أخبار عابرة.. ليس إلا؟!

أكتب وأنا أدرك أن أي إخفاق أنا مشارك فيه، لكن ومن باب محاسبة النفس المتطلعة لمواكبة الركب التنموي والتطويري لبلادنا، لكي يكون تأثير هذا الإعلام ملموساً.. ولأن الإعلام فن وقدرة وسياسة مختلفة، فلا بد أن يواكب التوجه الكبير نحو المستقبل متزامناً مصاحباً لتلك الرؤية المتكاملة المتوثبة بخطواتها الواثقة.. تلك التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز "حفظه الله" ويرسمها ويقوم بتنفيذ أدوارها ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان.. رؤية عظيمة تنطلق من شعب متماسك وقيادة حكيمة فلابد من حمايتها معلوماتياً وتأثيرها معنوياً.. لأن ما يحدث هو حرب إعلامية.. لأجل تشويه تأثيرنا وإخفاء ارتقائنا وتنميتنا وتشويه حقيقة ما تفعله قيادتنا لأجل شعبها ووطنها وأمتها الإسلامية والعربية، وكل ذلك يسيئهم ويبادرون لتشويهه.

لدينا المصداقية ولدينا الكوادر والقدرات ونمتلك قوة إعلامية فاعلة واصلة، فقط نريدها أن تنطلق من داخلنا من أبنائنا من بلادنا بتوجيه الفعل لهم أولاً، تكون قادرة على توضيح الصورة والتأثير إيجاباً وإفشال مخطط الكاذبين.. ترتكز على استراتيجية إعلامية فاعلة، ذات منهجية واضحة.. وعليه فإننا نتطلع أن تكون المؤتمرات كما الأخير قادرة على إحداث التغيير المطلوب، لا سيما أن الإعلام تأثير وتحدٍ وقدرة على المجابهة والمقارعة، لأجل إظهار الوجه الجميل الحقيقي للبلد، والتصدي لكل من يريد بها شراً بكشفه أولاً ومن ثم تعريته.

المهم في القول أننا جميعاً متطلّعون لصناعة إعلامية سعودية مستقبلية أكثر قوة ومهنية وتأثير.. عبر إفاقة حقيقية تهز إعلامنا من داخله تغيره وتجعله قادراً على المواكبة والتأثير، تعيد ثقتنا وتعلقنا بإعلامنا الرسمي، من خلال الرؤية الدقيقة والجريئة التي تعيد الترتيب من الداخل.