يقول المفكر الأميركي توماس سويل: "ما يفعله سقف الدين الوطني العام هو السماح للحزب الديموقراطي بكسب الأصوات عن طريق إنفاق أموال الحكومة، ثم إجبار الجمهوريين على تقاسم المسؤولية تحت تهديد اللوم لإغلاق الحكومة إذا لم يفعلوا ذلك".

لقد أصاب سويل كبد الحقيقة في هذا الرأي دون أدنى شك، وخير شاهد على ذلك الحالة التي نشاهدها حاليًا في أزمة الدين العام بين البيت الأبيض ومجلس النواب الذي يشارك الرئيس في صلاحية الميزانية وسياسات الدين العام بما في ذلك رفع سقف الديون. هذه الأزمة التي كان بمقدور الحزب الديموقراطي تسويتها قبل الانتخابات النصفية النيابية التي تمت في 8 نوفمبر 2022 عندما كان مجلس النواب في قبضة الحزب الديموقراطي بقيادة نانسي بيلوسي! ولكن تسوية الأزمة في ذلك التوقيت تعني عدم مشاركة الحزب الجمهوري المسؤولية، وهو بالضبط ما ذكره توماس سويل.

نظرية توماس سويل المتعلقة بمفاوضات رفع سقف الدين العام تحاكي واقع اليوم بشكل يذهل العقل، وقد تجلى ذلك في تصريح الرئيس جو بايدن خلال مؤتمر صحفي في هيروشيما باليابان الأسبوع الماضي، حيث كان في اجتماعات مع دول مجموعة السبع: "فيما يتعلق بالمفاوضات لقد قمت بدوري"، مضيفًا: "الوقت قد حان للطرف الآخر أن يقوم بدوره؛ لأن الكثير مما تم اقتراحه من قبل الحزب الجمهوري هو ببساطة غير مقبول".

المراقب للمشهد الأميركي يتعجب من حالة الاستقطاب والانقسام داخل واشنطن التي أصبحت عنصرًا مؤثرًا حتى على صعيد أخطر ملف في الدولة وأعقده (الدين العام). حياة الشعب الأميركي ومستقبل الولايات المتحدة الأميركية ومكانتها على المحك، ويكفي أن تعلم أن استطلاعًا جديدًا أجراه مركز بيو للأبحاث حول أولويات السياسة العامة، أشار 57 % من الأمdركيين إلى أن خفض عجز الميزانية ومعالجة الدين العام يجب أن يكون أولوية قصوى للرئيس والكونغرس بعيدًا عن الصراعات الحزبية.فشل البيت الأبيض ومجلس النواب في الوصول إلى صيغة توافقية يمكن من خلالها رفع سقف الدين العام من أجل دفع رواتب موظفي الدولة وتخصيص ميزانية لبرامج الحكومة مع ضمان تقليص الإنفاق للحد من نزيف الدين العام ستكون له آثار كارثية على الدولار والاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق يقول النائب السابق والإعلامي المحنك رون بول : "إذا فقد الشعب الأميركي والعالم الثقة في الحكومة الفيدرالية في واشنطن، فسوف تنخفض قيمة الدولار وتتغير الحياة كما نعرفها إلى الأبد، نحتاج أصولاً صلبة تدعم الدولار‬". نعم صدقت يا سعادة النائب، أميركا بحاجة لأصول صلبة قبل أن يقع الفأس بالرأس.