الاقتصاديون مقصّرون في طرح مبادرات للكيانات الرياضية
الرياضة أصبحت حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة على الرياضيين فقط، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة لكنهم يعشقونها سواء حديثاً أو منذ فترة طويلة.
الوجه الآخر الرياضي لغير الرياضيين تقدمه «دنيا الرياضة» عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم، وضيفنا اليوم الخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن دليم القحطاني. * هل الرياضة لدينا باتت صناعة؟ وإذا هي كذلك، فكيف نتعامل معها؟
- بلا شك أعطت حكومة خادم الحرمين الشريفين أهمية كبيرة لقطاع الرياضة، نظراً لما يتمتع به من فرص وظيفية للشباب وعوائد تساعد في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي. فقطاع الرياضة أصبح صناعة مزدهرة في معظم الاقتصادات المتقدمة، وبما أن المملكة العربية السعودية إحدى دول العشرين فإنها تحرص على إعطاء هذا القطاع مرونة عالية تجذب من خلالها استثمارات محلية ودولية، وهنا يتحقق الهدف المنشود من تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز دور القطاع غير النفطي.
وجود رونالدو صفقة ناجحة ستتضاعف عائداتها أكثر من 20 مرة
توافقني الرأي بأننا ما زلنا ببدايات الاستثمار الرياضي الحقيقي؟
نعم، بعد أن ضخت المملكة مليارات الريالات على البنى التحتية الرياضية، ودعمت النوادي المحلية، وعززت من مشاركاتها الإقليمية والدولية، ولفتت انتباه الخارج لما يدور من ازدهار رياضي محسوس وملموس في كافة المجالات والأنشطة لتجعل عجلة هذا القطاع سريعة في دورانها ليتعزز معها مفهوم الأعمال الريادية الرياضية.
ماذا ينقصنا لتكون رياضتنا بيئة جاذبة للعمل الاقتصادي والأرباح الكبيرة؟
سؤال في الصميم، وكلنا يتفق مع الدور الكبير الذي تقدمه حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين ولا تزال تقدم لتجعل من هذا القطاع الواسع يعتمد على مكوناته ومقوماته من حيث الاعتماد على موارده المالية والبشرية والأصول الثابتة والمتغيرة، لذلك حان الوقت لإعادة هيكلة الأجهزة الإدارية في جميع الكيانات الرياضية لتخطو بشكل سريع ينسجم وقوة الاقتصاد السعودي وطموحه اللامحدود.
منشآتنا الرياضية لم تستغل بشكل جيد
منشآت الأندية أحد أوجه الهدر المالي لدينا؛ ماذا لو استغلت بالتشغيل؟
بكل تأكيد وهذا السؤال يعد مفتاحاً للسؤال السابق، فلدينا كل الممكنات التي تستغل جميع المنشآت الرياضية، حيث لم يستغل منها سوى 5 % فقط، وهذا هدر كبير ومعطل للتنمية الاقتصادية، من هنا نهيب بجميع الأندية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والاعتماد على تجارب الدول التي جعلت من قطاع الرياضة قطاعاً حيوياً مزدهراً يساهم في تعزيز موقف الناتج المحلي بالاقتصاد.
لم تعد ثمة مسافات بين الرياضة والاقتصاد، إذ أصبحا متلازمين؛ لكن سؤالنا.. إلى أي مدى توجد الرياضة في حياة الاقتصادي الدكتور محمد دليم القحطاني؟
الرياضة موجودة في روحي منذ كنت أزاول لعبة الكاراتيه في أحد الأندية السعودية، ومثلت منتخب بلادي بعد أن حصلت على الحزام الأسود، فمن ذلك الحين أيقنت بأن قطاعة الرياضة قطاع خصب بل ومعزز للاقتصاد. كما أن هذا القطاع أصبح محظوظاً الآن بعد أن هيأ قائد الرؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان البنى التحتية لجميع مناطق ومحافظات المملكة دون استثناء ليفسح المجال أمام الأندية للتنافس الشريف فيما بينها.
أنا برشلوني ومحلياً اتفاقي.. ومثلت منتخب بلادي في الكاراتيه ونلت الحزام الأسود
* في وقت صار الكل ينتظر في وسطنا الرياضي خصخصة الرياضة والاستثمار الرياضي، نرى خبراء الاقتصاد لدينا يتلحفون الصمت.. حقاً لماذا أنتم صامتون؟
صدقت، نحن مقصرون في طرح المبادرات وتقديم ورش العمل للكيانات الرياضية لتوعية الأجهزة الإدارية في هذه الأندية بأهمية الفكر الاقتصادي والجدوى من إدارة وتشغيل مثل هذه الأندية، ولكن لا يزال الوقت معنا ولا تزال هناك سبع سنوات حتى نصل 2030، فهي كفيلة بوضع النقاط على الحروف، وتعزيز مبدأ المشاركة في الفكر، وتعزيز مبدأ التنوع في مختلف الأنشطة الرياضية ذات الجدوى الاقتصادية، علماً بأن حجم قطاع الرياضة في السعودية من الممكن أن يصل إلى 10 % من إجمالي الناتج المحلي والذي تجاوز التريليون ريال سعودي، ومهيأ لأن يصل إلى 4 تريليونات في 2030.
حتى ما قبل سنوات قليلة مضت كان يقال إن الكرة في السعودية «ما تأكل عيش»، حتى تغير الحال بعد الاحتراف، وأصبحنا نسمع بعقود توقع مع اللاعبين بأكثر من عشرات الملايين، فهل ترى -وأنت الاقتصادي- أن الكرة أصبحت ذات مردود عالٍ؟
لكل مجتهد نصيب، والمتابع للكرة السعودية يعرف بأن اللاعب المتميز يقضي ساعات كثيرة في تهيئة قوته البدنية وتركيزه العقلي من أجل المنافسة الدخيل الأجنبي الذي عزز من موقف التنافسية بين اللاعبين في كرة القدم، وفي ظني سيسري ذلك الوضع على بقية الأنشطة الرياضية، لذلك ما دام اللاعب يعطي للنادي قيمة معنوية وينشر اسم النادي كعلامة تجارية معروفة تزيد من عدد الجماهير فهذا يستحق مثل هذه المبالغ وأكثر.
الرياضة مكسب كبير لأي مستثمر خليجي..
هرول الكثير من المستثمرين الخليجيين نحو الأندية الأوروبية لشرائها، فهل في هرولتهم بحث عن مكاسب مالية أم مكاسب إعلامية؟
قطاع الرياضة يعد مصدراً مهماً يمكن استغلاله الاستغلال الأمثل إعلامياً واقتصادياً وحتى سياسياً في كثير من الأحيان، فهرولة هؤلاء لم تأتِ من فراغ ولكن جاء القرار بعد أن تأكد هؤلاء من العائد على الاستثمار.
- في حال تحولت الأندية السعودية شركات مساهمة، في اعتقادك أي من الأندية يمكن أن يكون الأقوى بينها كقوة (سابك أو أرامكو) بين الشركات في البورصة السعودية؟
آخر حضور لي في الملاعب بملعب الاتحاد في لندن
ممكن أن تكون الأندية شركة مساهمة ولكن في قطاعات صناعية أو تجارية معززة لموقف النادي المالي واستقراره ولكن لا يمكن أن تصل هذه الأندية بأي حال من الأحوال لعملاقي النفط والبتروكيميائيات، ولكن ما أستطيع تأكيده أن عدداً من الأندية لو تحولت ستكون جاذبة للمساهمين وسيكون العائد على الأسهم جاذباً للمستثمرين بكل المقاييس إذا وجدت إدارة ذات فكر اقتصادي حديث، تقرأ جيداً ما يدور في المنظومة الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية.
كيف تقرأ تدافع تجار العقار تحديداً على الوجود في الأندية إن كرؤساء أو شرفيين خلال العقد الأخير؟
في ظني مثل هذا التدافع لا يعطي انعكاساً تنموياً واقتصادياً حقيقياً يعزز من فكر الصناعة الرياضية.
ينخر التعصب عظام الكرة السعودية، ما يجعل البعض يبرر نأي المستثمرين عن دخول السوق الرياضية لهذا السبب، كخبير اقتصادي كيف تقرأ الأمر؟
هذا ليس مبرراً، واستطاع قادتنا بهذا البلد منع مثل هذا التعصب الذي عادة ما يكون مؤقتاً ولا يتجاوز حدود الملاعب الرياضية.
مازال الكثيرون من حملة الشهادات الكبرى في مجتمعنا يقارنون دخلهم بدخل لاعبي الكرة، وبطبيعة الحال فإن الغلبة ترجح لمصلحة اللاعبين، فهل لمثل هذه المقارنة مكانها من الإعراب اقتصادياً؟
لا يمكن استخدام هكذا مقارنة في قطاعات مختلفة تماماً من حيث الفكر والتنظيم.
في فترة سابقة خيّر أحد اللاعبين السعوديين بين الاحتراف والحصول على مقدم عقد بمليوني ريال وبين ترك وظيفته كمعلم، فاختار الأولى.. لو كنت مكانه يا دكتور ماذا كنت ستفعل؟
سأختار الاحتراف وسأتخذ لي قدوة من المحترفين العالميين لتكون مسيرتي ناجحة كما هي مسيرته.
تتعاقد الأندية مع مدربين ولاعبين محليين وأجانب بعشرات الملايين في وقت تعجز عن الانتظام في سداد رواتب اللاعبين والعاملين في النادي، فهل هي مشكلة الأندية أم مشكلة النظام؟
مشكلة إدارة وفقدان لمفهوم الحوكمة والاستفادة من موارد الأندية بشكل احترافي يعزز مبدأ الاكتفاء المالي.
لم يستوعب الوسط الرياضي هذا الموسم خبر انتقال أحد أفضل لاعبي العالم البرتغالي كرستيانو رونالدو للنصر بقيمة تجاوزت المليار ريال كما يقال بعقد امتد موسمين ونصف عدا عن حصته في الإعلانات كأكبر صفقة أجنبية، فهل استوعبتها أنت؟
نعم، اللاعب كرستيانو رونالدو يعد صفقة نموذجية تنسجم وفكر وتوجهات رؤية المملكة 2030 من كل النواحي وبالذات قطاع الرياضة الذي يعد فرصة تنموية كبيرة تعزز موقف الناتج المحلي الإجمالي وكذلك قطاع السياحة والترفيه الذي يضيف لقوة الاقتصاد غير النفطي، لذلك فمثل هذه الصفقات ستكون عوائدها أكثر 20 مرة من حجم استثمارها.
صدم أحد اللاعبين بحوار صحفي الجميع حينما قال: «يكفي أني أتقاضى دخلاً يفوق الوزراء وأعضاء مجلس الشورى».. ما تعليقك؟
لم نسمع مثل هذه العبارات للاعبين أثبتوا وجودهم عالمياً، ومثل هذا الكلام يجب أن لا يقال، فتعليق اللاعب يجب أن يعكس أخلاقه، ويبعد عن مثل هذه المهاترات التي لا تفيده على المستوى الشخصي ولا لناديه ولا لقطاع الرياضة في ناديه.
لو فكرت في شراء نادٍ سعودي بحثاً عن تحقيق أكبر معدلات من الربحية فأي الأندية ستشتري دون تردد؟
الاتحاد أولاً والهلال ثانياً والنصر ثالثاً والباقي يتبعهم، وهنا أتحدث من ناحية اقتصادية، ولا يعني هذا ارتباطي لأي من هذه الأندية لأني أحب جميع الأندية السعودية بلا استثناء وبلا عصبية.
لو نصبناك حكماً ودعوناك لإشهار بطاقة حمراء وأخرى صفراء في وجه بعض الممارسات الرياضية، فإلى أي منها ستشهر؟
عندما يلعب اللاعب السعودي ممثلاً لوطنه فيجب أن يضع شعار المملكة على صدره وعقله وفكره، ومن لم يفعل ذلك سأشهر البطاقة الحمراء وبقوة لهذا اللاعب مدى الحياة.
في نظرك هل الرياضة تفرق أم تجمع؟ ولماذا؟
بل الرياضة تجمع، فمعها تزيل كل الترسبات والاحتقانات والطاقات السلبية.
متى كانت آخر زيارة لك للملاعب الرياضية؟
في أغسطس 2023 في مباراة مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد في لندن.
أي فريق تشجع؟ سؤال يكاد يكون لازماً لدى السعودي، ولذلك لن نجعلك تغادر الحوار قبل أن نسألك.. بالفعل أي الأندية تشجع محلياً وعالمياً؟
عالمياً أشجع نادي برشلونة الإسباني ومحلياً نادي الاتفاق.
أخيراً روشتة طبية توجهها إلى الجماهير السعودية؟
أنا فخور بوجود شبابنا الراقي في الملاعب السعودية وتشجيعهم الجميل الذي لا يحمل معه أي نوع من التعصب المقيت.










التعليقات