شكلت مشاركة برنامج الأغذية العالمي في فعاليات منتدى الرياض الدولي الإنساني الثالث في المملكة العربية السعودية فرصة مثالية أتاحت مناقشة الفرص الممكنة لتعزيز سبل التعاون والشراكات، ومناقشة وتبادل الآراء ووجهات النظر عن العمل الذي تقوم به، وهي الخطوة الأولى في ضمان تحقيق تأثير أكبر للعمل الجماعي مقارنة بعمل كل مؤسسة بمعزل عن الأخرى.
وكي يتمكن برنامج الأغذية العالمي من تركيز جهوده على استباق الاحتياجات المستقبلية بدلاً من الاستجابة بتقديم المساعدات عند الحاجة، تمت المبادرة إلى تأسيس شراكات جديدة مع الجهات المعنية بدعم الجهود التنموية وتمويل مكافحة التغير المناخي والمؤسسات العلمية المرموقة، وذلك لتعزيز القدرات الجماعية على التنبؤ وتحليل المخاطر، ثم الاستفادة من تلك التحليلات لإقرار إجراءات استباقية فعّالة، ورسم خطط التخفيف من تأثير الكوارث، وتطوير أنظمة الاستجابة المبكرة، والتركيز على دعم المجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.
وفي حين تباين تأثير أزمة تغير المناخ بين مجتمع وآخر، لكنها باتت تشكّل خطراً واضحاً على المجتمعات الهشة، وبدا تأثيرها أعمق خاصة على تلك التي تعاني تحديات على صعيد أمنها الغذائي، كما رأينا مؤخراً حينما داهمت الفيضانات باكستان وأصاب الجفاف الشديد بلدان القرن الأفريقي. بل إن عوامل الطقس المتطرفة والكوارث المناخية قد تتصاعد سريعاً إلى حالات طوارئ كبرى تتسبب بخسائر اقتصادية وبشرية فادحة، ولهذا تتمحور رؤية برنامج الأغذية العالمي للمستقبل حول حماية الإنسان والمحافظة على أمنه الغذائي وسبل عيشه دون أن يحتاج إلى الإنفاق من مدخراته، وذلك باتخاذ إجراءات استباقية قبل حدوث الأزمة المناخية الوشيكة.
ويتطلب تحقيق هذه الرؤية تعاون البرنامج مع الحكومات والشركاء على تطوير أنظمة استباقية، مهمتها إدارة مخاطر المناخ قبل تحولها إلى كوارث بيئية، ولهذا ندعم تطوير أطر عمل تنفيذية استباقية داخلية أو عامة لجميع الوكالات المعنية، ليتسنى لها أن تنظم مسبقاً برامج التمويل الجماعي أو تجمعه سريعاً بمجرد ظهور المخاطر المناخية الكارثية المحتملة في الأفق، وفعلاً بدأت نظرتنا لطريقة معالجة حالات الطوارئ تتغير، كوننا أدركنا محدودية دور المساعدات الإنسانية في القضاء على الجوع، ونؤكد مراراً وتكراراً الأهمية الكبرى لتبني المجتمعات إجراءات وقائية لحماية ذاتها من الكوارث، ولا فرق في هذا الإطار بين إنقاذ الأرواح وحماية الأرواح، بل يجب العمل على تحقيقهما معاً فنجاحنا في حماية أكبر عدد ممكن من البشر، يعني نجاحنا أيضاً في خفض أعداد الحالات التي قد نضطر لإنقاذها إلى الحد الأدنى.
وتتمثل أبرز التحديات التي نلاحظها على مستوى الدول في عدم توفر منهجيات مشتركة حول سبل الاستفادة من الأدوات وأفضل الممارسات والموارد والبروتوكولات المتوفرة بالفعل لدى الشركاء الفرديين وفرق الأمم المتحدة العاملة في هذه الدول. إضافة إلى الحاجة ملحة لأن يغدو العمل أكثر منهجية في التسلسل والجمع بين مصادر التمويل المختلفة، بحيث نستطيع ربط أنظمة الإنذار المبكر والعمل الاستباقي بطريقة ناجعة، وتحديد أولويات الخطط الوطنية للتكيف مع المناخ وتلبية احتياجات الاستجابة السريعة، ولن نتمكن من استباق مخاطر أزمة المناخ المتفاقمة، ما لم نعمل على تطوير أنظمتنا المالية بأساليب مبتكرة، ونستفيد من أفضل التقنيات المتوفرة للإنذار المبكر والتنبؤ بالمخاطر.
ولا شك أن فعاليات على غرار منتدى الرياض الدولي الإنساني، تعد فرصة لمناقشة سبل دعم هذا التغيير بشكل جماعي، للاستفادة من الخبرات والأدوات والموارد التي تطورها الأطراف المعنية، لتعزيز فعالية استخدام أنظمة الإنذار المبكر وأطر العمل الاستباقية على مستوى الوطني.
وباعتبارنا أكبر وكالة إنسانية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإننا نعتمد على انتشارنا الميداني الواسع ومعرفتنا باحتياجات المجتمعات المحلية وخبراتنا الطويلة، في تحقيق نتائج إيجابية على الرغم من انعدام الأمن الغذائي، لندعم خطط الحكومات ومنظومة الاستجابة الإنسانية العالمية لنغير منهجية إدارة الأزمات، من رد الفعل إلى العمل المستقبلي الذي يستشرف المخاطر ويتخذ الإجراءات الاستباقية للوقاية منها. وهذا يتطلب شراكات قوية مع القطاعين العام والخاص لتنظيم موارد التمويل وتطوير قدرتنا على توقع المخاطر، ما يمكننا من إنشاء منظومة استجابة إنسانية أسرع وأكفأ وأقل تكلفة وأكثر حفاظاً على الكرامة الإنسانية، نحن نحتاج إلى نجاح هذه الشراكات ونحتاج إلى توفير دعم لها من الجهات المانحة.
دور أنظمة الإنذار المبكر وبرامج العمل الاستباقية في الحد من الدمار واسع النطاق، معروف أن تغير المناخ يفاقم ندرة الموارد وظاهرة التشرد، ويرفع حدة الاضطرابات الاقتصادية، ويمكن القول إنه مصدر مزمن لخلق أزمات إنسانية معقدة ومتكررة، ما يدفعنا للاعتماد على منظومة استجابات طارئة عالية التكلفة. وعليه، تمثّل الأنظمة المتطورة المبتكرة لإدارة المخاطر أدوات محورية تحد من تحول المخاطر المناخية التي نستطيع التنبؤ بها إلى حالات طوارئ إنسانية. وإضافة إلى ذلك، تبرز اليوم حاجة ملحة إلى دراسات عميقة تتيح لنا فهم آلية تأثير التداعيات المناخية على تأجيج النزاعات، ومن شأن هذه المعارف أن تمكننا من اتخاذ خطوات فعالة بشأن الإجراءات الاستباقية التي تمنحنا منافع مزدوجة، فهي تمنع نشوب النزاعات من جهة، وتعزز قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ من جهة أخرى.
*المنسق العالمي لنظام الإنذار المبكر
وبرامج العمل الاستباقية في الأغذية العالمي
التعليقات