مدخل للشاعر محمد بن شارع بن شري:

المجلس اللي ما يروده رجاجيل

تلقى دلاله .. والمراكي جديده

أحدٍ على الصالي دلاله مقابيل

وأحدٍ عن الصالي دلاله بعيده

تعد مجالس الرِّجال من أهم المدارس قديماً فهي المدرسة الأولى المفيدة والمؤثرة، وفي الوقت نفسه يشتهر أصحابها بكرمهم وجودهم من خلال استقبالهم لضيوفهم والترحيب بهم، وكانت عامرة بالطيب «العود الأزرق» والقهوة وما يجمل تجل المجالس من جماليات المجلس مثل الكمار والوجار وأجمل الفرش من الزل الثمين، وقبل ذلك جود النفس وطيب القلب وجمال الروح، وفي هذا الاتجاه أنشد الشاعر الإعلامي محمد بن شلاح المطيري -رحمه الله- أحد الرِّجال الذين اشتهروا بالكرم، وقد قام بفتح أبواب مجلسه لاستقبال الضيوف في كل الأحوال، والاحتفاء بهم والترحيب بهم، وقد أصبح قصيدته التي خاطب بها ابنه نمر من أشهر القصائد التي يضرب بها المثل في الترحيب بالضيوف، وفتح أبواب المجالس للقادمين:

أمل الوجار وخلوا البـاب مفتـوح

خوف المسيّر يستحـي مـا ينـادي

نبغي إلى جا نازح الـدار ملفـوح

وشاف البيوت مصككة جاك بادي

يقلط لديوانٍ به الصدر مشروح

ورزقه على رازق ضعاف الجرادي

يا نمر ما في صكت الباب مصلوح

ولا هي بلنا يـا مضنّـة فـوادي

تصلح لمخلوق يبي يستـر الروح

ناشي عليها معتمدهـا اعتمـادي

وبحضور الرِّجال في المجالس وبوجود الأصدقاء والخلان والمعارف والأقارب الذين يقضون أجمل اللحظات والأوقات في هذه المجالس يتم من خلالها تسليط الضوء على تقديم ما يفيد الحضور من تجارب الحياة من الوعظ والإرشاد بأسلوب مشوق ومؤثر وصور توضيحية هادفة يستفيد منها الجميع.. وكانت المجالس قديماً تجمع أهل الوفاء والصفاء والنفوس الجميلة، كما يقول الشاعر المعروف الفارس راكان بن حثلين العجمي الذي أنشد العديد من القصائد التي تجذب المستمع، وتتميز بالجزالة وعمق المعاني السامية والهداف، لذا لا غرابة أن تكون قصائد متداولة بين الناس، ومن جمل تلك القصائد قصيدته الشهيرة ومنها قوله:

يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال

في مجلسٍ ما فيه نفس ثقيله

هذا ولد عم.. وهذا ولد خال

وهذا رفيقٍ ما لقينا مثيله

يا ليت رجال يبدّل برجال

ويا ليت في بدلا الرجاجيل حيله

يا بو هلا طير الهوى خبث البال

الطير نزر والحبارى قليله

وكان للشعراء أولويات في حضور تلك المجالس وتقديم أشعارهم وفي ذلك الوقت لا يستطيع أحد أن يقول أنه شاعر إلا أن يكون شاعراً متمكناً من الشِّعر بالفعل، عكس ما هو حاصل الآن، فالكثير من الناس أصبحوا شعراء.

وفي مجالس الرِّجال تتم المناقشات الهادفة وتبادل الآراء، وتطرح الرؤى ليستفيد منها من يرتاد المجلس، وكانت تلك المواضيع التي يتم تداولها في المجالس تخرّج شخصيات أصبحت قامات كبيرة في المجتمع، فقد استفادوا من تجارب الآخرين ومن دروس المجالس، وفي هذا الاتجاه يقول الشاعر رشيد الزلامي -رحمه الله- الذي له تجارب واسعة في الحياة وشاعر جزل وغني عن التعريف:

تحمّلت من جور الليالي بدون قياس

ولو حملها ميّل على المتن وأوجعني

وصبرٍ على الشدة شجاعة وقوه باس

لكنّ الظروف القاسية ما تطاوعني

ليا اجتمعت الثنتين حاجة وشيمة راس

وهذي تنزلني وهذيك ترفعني

رفعت النظر والله عطاني نظر واحساس

وهي ميزةٍ في كل الأحوال تنفعني

ولو كان بين الصّم والبكم لي مجلاس

هذا ما يكلمني.. والآخر ما يسمعني

حياة التجارب علمتني وأنا حساس

وخلتني اعرف نظرة العين وش تعني

وأنا لو بدت لي حاجةٍ عند بعض ناس

أريد الكلام وعزّة النفس تمنعني

ومما يميز تلك المواضيع الهادفة التي تطرح في المجالس قديماً أنها كانت تقدم بأسلوب جميل بعيداً عن أسلوب التلقين، بل كانت تقدم بأسلوب التشويق لأن أغلب من يقدمها ذو فكر نير ثاقب وتجارب واسعة في الحياة، ومما يحلّي مجالس الرجال القصائد التي تذكر فيها، ويرويها الرواة الذي يتناقلون القصائد الجميلة ويوصلونها لآخرين خاصة في مجالس الرِّجال، ومن القصائد الشهيرة التي كانت تروى في مجالس الرجال قصيدة الشاعر محمد المهادي الشهيرة، ومنها نقتطف هذه الأبيات:

الاجواد وان قاربتهم ما تملهم

والانذال وان قاربتهم عفت مابها

الاجواد وان قالوا حديث وفو به

والانذال منطوق الحكايا اكذا بها

الاجواد مثل العد من ورده ارتوى

والانذال لا تسقى ولا ينسقي بها

الاجواد تجعل نيلها دون عرضها

والانذال تجعل نيلها في رقابها

الاجواد وان اضعفوا فيهم عراشة

والانذال لو سمنوا معايا صلابها

الاجواد يطردهم طول عزمهم

والانذال يصبح همها في ارقابها

ومما يميز مجالس الرِّجال قديماً أنها كانت تشجع الأبناء على ارتياد تلك المجالس العامرة بالفائدة والحكمة والموعظة والدروس المؤثرة.. فقد كان الأبناء يحرصون على ارتياد المجالس لكي يكتسبوا فكراً متقداً وشخصية قوية، فلم تكن المجالس في ذلك الزمن حكراً على الكبار فقط، بل كانت تتسع للجميع لتكون مدرسة للأجيال، وتبرز المفكرين والأدباء، وتحث على الصلاح والخير والصبر، والتحذير من الأنذال والمحتالين، وفي هذا الشأن يقول الشاعر سعد بن علي الثنيان:

حذراك من شخصٍ خبيثٍ ومحتال

يضحك بوجهك والخبث عض نابه

والثاني اللي للردى صار مدهال

ولا يفكّر في خطاه.. وصوابه

والثالث اللي دايم الدوم محتال

هذاك عندي ما يساوي ثيابه

والرابع المغرور لو عَيّن المال

ما مرّته جوداء وضايع هبابه

والخامس اللي حقْ همْ العرب شال

همّه يفرّق بين جمع الصحابه

وكانت المجالس قديماً حقيقة ونيس المكان، وهدهدة الوجدان، وتتحدث عن التاريخ، وقصائد الشعراء، والقصص الهادفة.. ومما يميز تلك المجالس أنها تجمع أهل الوفاء والصلاح والكرم.. لذا يجب على الرجل أن يصون نفسه من حضور مجالس الأنذال وأهل الخبائث والكراهية والحقد، ويحرص على مجالس الشرفاء والأنقياء، ويحرص أيضاً على الصبر وتجاوز العدوات والمشاحنات، ويبعد عن مجالس أهل الخداع والغدر والدهاء، كما يقول الشاعر محمد بن عبدالله العسيلي في تجاوز الزلات:

زلة رفيقك لا تسرع بردّها

أرفا بشيمتك الخطا من فعايله

إلا اليا صارت تمس الكرامه

عليك باللي ما تعالج وهايله

في ضربةٍ تجلى الوجه لائمه

وتجلى عن الخاطر طنها وغلايله

ترى موقفك بالعزّ ساعه من الدهر

أخير من عمرٍ تعاني ذلايله

كما كانت تلك المجالس عامرة بأهل الصلاح وأهل الأدب، وتُساهم كثيراً في تشجيعهم وتبرز الشعراء المتمكنين.. والأخذ بأيدي المبتدئين، وكان لها دور كبير في تشجعيهم حتى يروا النور وتظهر أسماؤهم في المجتمع.

أمل الوجار وخلوا البـاب مفتـوح
رشيد الزلامي
محمد بن شري
محمد بن شلاح
بكر هذال