بعد خروجه من غوغل، أعلن جيفري هنتن عن مخاوفه من مستقبل الذكاء الاصطناعي، كانت مخاوفه موجودة وشعوره تجاهها حقيقياً وهو يطور نماذج اللغة في غوغل، إنما لم يسعه أن يعلن عنها ويعرض غوغل إلى الانتقاد وهو موظف فيها، فقرر الاستقالة.

كان هنتن أستاذاً في جامعة تورنتو الكندية عندما حقق أحد منجزاته في الذكاء الاصطناعي مع اثنين من طلابه، بعدها في العام 2018م فاز بجائزة تورينج التي تعد الجائزة الأهم في مجال الحاسب الآلي، حدثت أمور كثيرة بعد ذلك، فقد أسس شركة استحوذت عليها غوغل، ثم انتقل أحد طلابه لإنشاء شركة جديدة، وهي الشركة التي يعرفها الجميع: أوبن أيه آي أو الذكاء الاصطناعي المفتوح.

ماذا يخيف جيفري هنتن بعد أن أمضى عمره في تطوير الذكاء الاصطناعي حتى لقب (أبو الذكاء الاصطناعي)؟ بعد أن رفض أن يوقع مع ألف عالم للتحذير من قدرات الذكاء الاصطناعي، عبر بنفسه عن ذلك في لقاء مستقل. كان هنتن ممن يستبعد قدرة الذكاء الاصطناعي في التفوق على الإنسان، وأن ذلك لو كان فليس قبل خمسين سنة، إنما في ضوء التطورات الأخيرة، غير هنتن رأيه وصار يرى المستقبل البعيد أقرب من أي وقت مضى.

ليس من الواضح إن كانت مخاوف هنتن وراء تأخر غوغل في إطلاق نسختها من برنامج الدردشة، لكن مخاوفه كانت دائماً جزءاً من مسيرته المهنية، كان موقفه من استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب وراء خروجه من جامعة كارنيجي ميلن إلى جامعة تورنتو، كانت أبحاث كارنيجي ميلون وأبحاث أغلب الجامعات الأميركية تمول من وزارة الدفاع الأميركية، فلم يرد أن تسخر أبحاثه لخدمة الأغراض العسكرية، وبالتحديد ما يعرف بالجندي الآلي، فقرر الانتقال إلى كندا.

خوف هنتن الأكبر اليوم أن يفقد الإنسان قدرته على التمييز بين الكذب والحقيقة، حيث سيغرق الذكاء الاصطناعي الإنترنت بنصوص وصور وأفلام مزيفة، ولن يستطيع الفرد العادي مواجهة كل ذلك قبل أن تعم الفوضى، الفرد الذي سيواجه فوضى المعلومات، ربما وجد نفسه عاطلاً بعد أن يستحوذ الذكاء الاصطناعي على عمله الروتيني المرهق الذي يؤديه بكل رضا، لن يأتي أثر الذكاء الاصطناعي في موجات صغيرة، كما يرى هنتن، فحجم البيانات التي يتلقاها كبير بدرجة تجعلنا غير قادرين على التنبؤ بما يمكن أن تفعله، فكلما زاد حجمها ازدادت قدرتها على الاستقلال والتصرف دون توجيه.

مخاوف هنتن أقرب لتصورات المستقبل الذي ترسمه روايات الخيال العلمي، لكن الحلم الذي راود هنتن مدة طويلة يوشك أن يصبح الآن كابوساً، ربما جاءت مخاوف هنتن متأخرة بعد أن دفع مع زملائه بعجلة التقنية إلى أقصى مدى، ولعل الإنسان قادر على تصور أكثر الأمور رعباً، والتصرف معها كما لو كانت حقيقة، إنما عاجز عن فهمها وإدراك معانيها حتى يجربها.