الاقتصاد السعودي وبرغم الأزمات في السنوات الماضية تمكن من تنفيذ الإصلاحات التي تمهد لنجاح رؤية 2030، قطاع التأمين للأسف لم يتمكن من مجاراة التطور والحراك الاقتصادي الكبير الذي تشهده المملكة، ولا يمكن بناء اقتصاد قوي بدون قطاع تأمين قادر على تلبية احتياجات السوق وتوفير جميع أنشطة التأمين بجودة عالية وخدمة متميزة وتسعير عادل، قطاع التأمين السعودي ولد ضعيفا، معظم الشركات المقدمة لخدمة التأمين تصارع من أجل البقاء لذلك تحولت مهام إداراتها من التطوير والتحديث إلى معالجة الخسائر المتراكمة من خلال خفض ورفع رأس المال وهذه الإجراءات أثبتت فشلها في حل مشكلة الخسائر حتى إن ثقة المساهمين في تحسين أوضاع الشركات بعد رفع رأس المال انخفضت كثيرا، ولذلك لاحظنا خلال العام المنصرم عزوف بعض المساهمين عن ممارسة حقهم في اكتتاب حقوق الأولوية وهذا مؤشر خطير قد يؤدي إلى عدم قدرة الشركات على رفع رؤوس أموالها مستقبلا وتعرضها للانهيار، انغماس شركات التأمين في معالجة الخسائر المتراكمة نتج عنه إهمال بناء الاستراتيجيات للسنوات القادمة وتطوير إدارات المخاطر وجلب خبراء اكتواريين ذوي كفاءة عالية تمكن الشركات من تجنب الكثير من المخاطر التي تنهش مقدراتها المالية، كما أن تنويع نشاط التأمين وتوفير منتجات جديدة من شأنها التقليل من المخاطر معظم الشركات استسهلت تأمين المركبات وتوسعت فيه لأنه أقل في المصاريف الإدارية والتسويقية مع أن هذا النشاط هو الأكثر مخاطر من بين أنواع التأمين الأخرى بسبب كثرة الحوادث، منذ بداية هذا العام تم رفع أسعار وثائق تأمين المركبات بأكثر من الضعف وفي اعتقادي أن هذا إجراء خاطئ من شأنه التسبب في عزوف الكثير عن التأمين وله تبعات سلبية على المجتمع بتحمل أصحاب المركبات خسائر جسيمة وقد تتسبب في دخولهم السجن إذا نتج عن الحوادث وفيات، عند كتابة هذا التقرير لا يوجد أي إحصائيات صادرة عن البنك المركزي السعودي خلال الربع الأول ولم نستطيع تقييم تبعات رفع أسعار تأمين المركبات على الأقساط المكتتب بها ولا على المطالبات المتكبدة، وأيضا لم تعلن أي من شركات التأمين نتائجها المالية عن الربع الأول من هذا العام 2023، ثقافة التأمين في المملكة ما زالت ضعيفة ولولا إلزامية التأمين على المركبات لن نجد إلا القلة من يحمل وثيقة تأمين، ولذلك نحن بحاجة إلى توعية المجتمع بأهمية التأمين وتقديم أسعار عادلة للمؤمن والمؤمن عليه، الإحصائيات الصادرة عن البنك المركزي السعودي عن العام 2022 أظهرت أن 64 % من أقساط التأمين المكتتبة تأتي من الشركات الكبرى بينما تمثل نسبة الأفراد 14 % فقط أغلبها تأمين مركبات ولا يوجد أي اهتمام بتأمين الحماية والادخار وهو التأمين الأهم للأفراد، حيث أظهرت الأرقام أن مبالغ الأقساط المكتتب بها في عام 2022 لم تتجاوز 1.9 مليار ريال ونسبة السعوديين الذين لديهم وثائق تأمين الحماية والادخار أقل بكثير من النسب العالمية وهذا النشاط التأميني من أقل أنشطة التأمين في المخاطر كما أنه يوفر تدفقات نقدية جيدة للشركات.

التأمين الصحي يستحوذ على أكثر من 70 % من أقساط التأمين المكتتبة وخلال الخمس سنوات الماضية نما التأمين الصحي بنسبة 62 % وهو من أسرع أنواع التأمين الصحي نموا والنظرة المستقبلية واعدة لنشاط التأمين الصحي في المملكة، حيث إن الدولة تعتزم تخصيص القطاع الصحي وتوفير تأمين لجميع المواطنين وهذا يستدعي تأهيل شركات متخصصة في التأمين الصحي لديها القدرة على تقديم خدمات متميزة وسريعة ومعاملة إنسانية تقدم حقوق المرضى على المكاسب المادية وهذا يتطلب أن تمتلك الشركات فريقا طبيا يستطيع تقييم الحالة والتأكد من أن الإجراء الطبي ليس أهداف مادية قد تؤثر على صحة المريض، وإرسال الموافقة خلال دقائق معدودة وهذا ما لم تستطيع فعله الشركات الحالية إلا إذا استثنينا شركة أو شركتين لديها إمكانيات عالية في مجال التأمين الصحي، وهذا التركز المخل لا يخدم نشاط التأمين الصحي ولا يستطيع مجاراة النمو السريع للقطاع وهذا يستوجب الترخيص للشركات العالمية لتقديم خدماتها التأمينية.

قطاع التأمين السعودي يحتاج إلى إعادة هيكلة وبناء استراتيجية متكاملة وتميكن الشركات من التخلص من خسائرها المتكررة من خلال بناء كيانات قوية قادرة على مواجهة كافة الأزمات وتقديم الخدمات التأمينية وفق أعلى المعايير الدولية.