حملتها موهبتها إلى أقاصي الطبيعة واستنطق فيها الشغف فصاغ معها الاحتراف، لم تقف عند فن واحد ولا تفصيل بصري أحادي بل كان لها أكثر من رؤية حملت معها روح التجريب والتميّز الشامل نحو تفكيك التصورات الحسية التي ثبّتت هويتها السعودية وإشراقها الفني، فهي فنانة جمعت بين الرسم والأزياء والتصميم فتألقت. 

لوحاتها الفنية انبثقت فيها ابتكاراتها التي انتشلتها من البيئة السعودية وطبيعة الأرض وخصوصية الأمكنة بكل ما حملته من كيان ومكنون ساحر وبكل ما تركته في الإنسان وجسّدته في حكاياته، فقد كانت الأرض تبدأ منها وتنتهي عندها ألوانها وخطوطها وتفاصيلها الدقيقة بمواسمها وتغيّراتها وبمزاجها الطبيعي المتناقض وموازينها البصرية الهادئة، تلك التي تشكّلها مي العيار بشموخ يحاكي الجبال والصحراء ومنابع الماء والنبات والأشجار والصخور وحكاية الإنسان الثابت فيها بذاته والمتشبّث بهويته.

تتجسّد في أعمالها تكوينات أنثوية تعبّر عنها الألوان، التفاعل فيها يتوافق مع عمق إحساسها بانبعاث الأمان والاستقرار والأنس الهادئ في ذلك التصاعد اللوني وهو يتدرّج بين التكوينات الترابية التي تبدأ بتحديد التراب والأرض والألوان الدافئة التي تساكن اللوحة في محاورة حسية بليغة تعيد للأرض عمقها وجذور الانتماء فيها ودلالة الوجود والخصوبة والاستمرار والحياة.

العيّار الفنانة التشكيلية التي شاركت والتحقت في عدة برامج فنون بصرية داخل وخارج المملكة، كما  شاركت في العديد من الدورات التدريبية الفنية وقدمت أعمالها في عدة معارض فنية جماعية في معظم مناطق المملكة، آخرها مشاركتها في معرض من الأرض المقام في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» لم تترك تفصيلاً في الطبيعة إلا وعايشته ولامسته واستدرجت المتلقي ليراه بعيون ريشتها وتفعيل حضورها فيه من خلال اللون ومفاهيم الفراغ التي سردت فيها تكويناتها الدقيقة الملونة وخطوطها الصاعدة من عمق الطبيعة والمتسرّبة بين الصخور والبحر والصحراء، تشابكات لطيفة وخفيفة بسيطة ومتناسقة خالية من التعقيدات تبعث في عين المتلقي حالة انبهار ومزاجا من الألفة والاحساس بالقرب والتماهي مع الأرض والأمكنة.

بين القماش والألوان الزيتية تقع المفارقة من حيث ترتيب الكتل وصياغة الشكل وتكثيف الرؤى التجريدية التي تحيل على تكامل الطبيعة معاً في الأرض والمكان، وهنا يتجسّد العمق الأسلوبي الذي استطاعت به أن تذهب بعيداً في خيالها وفي رغباتها الجمالية المنطلقة في رحلة تسافر بالمتلقي أبعد في الزمن وأعمق في الأرض.

*كاتب في الفنون البصرية