حين نطبق مبدأ الوقاية، والرعاية الصحية الأولية نجد أن الرياضة من أهم سبل الوقاية، وأن تكاليف إنشاء وتجهيز ميادين المشي الجبلي، والمماشي المشجرة داخل المدن، والحدائق الكبيرة لا تقارن بأي حال من الأحوال بتكاليف بناء المزيد من المستشفيات وتكاليف علاج الأمراض المزمنة الباهظة..
في الأسبوع الماضي تم افتتاح مسار جبلي جديد ومتميز يحيط ببلدة الغاط التراثية، يبدأ من وسط القرية التراثية وينتهي بها، يمتاز بإطلالة جميلة على بيوت القرية وآثارها ونخيلها ومتنزهاتها، والجميل أنه يلوح على صفحة الجبل كباقي الوشم في ظاهر اليد. وتم تنفيذه بسلاسة، وفي وقت قياسي بفضل مساهمة القطاع العام ممثلاً بالمحافظة والبلدية، والقطاع الخاص ممثلاً بشركة بتيل، والقطاع الثالث ممثلاً بمركز عبدالرحمن السديري الثقافي وجمعية مسارات ورحلات المشي "درب"، وقد نظم في يوم الافتتاح مسيرتان الأولى في العاشرة صباحاً للرجال والنساء، وفي الرابعة عصراً للنساء فقط، وقد أنعم الله على المشاركين بأجواء ربيعية رائعة. وفي الأيام التالية للافتتاح بدأ الشباب والأسر يرتادونه، وسيزداد عدد المرتادين مع تحسن الأجواء وتفعيل مواقع التواصل للتعريف به وميزاته.
وهذا الدرب الجبلي هو الثامن من دروب جمعية درب على مستوى المملكة، والتي نفذت مسارات جبلية في كل من الرياض والقويعية وجبلة وجلاجل ورغبة والقصيم وغيرها. وتعد رياضة الهايكنغ من أفضل الرياضات وأكثرها فائدة للصحة وللسياحة البيئية. والمملكة مهيأة بإذن الله أن تكون واحدة من أفضل الدول في هذا المجال، وذلك لتوافر البيئة الجبلية والأودية والقرى التراثية والصحارى والرمال، والدروب التاريخية كطريق الهجرة ودرب زبيدة ودروب الدواب الكثيرة في الجنوب والتي استخدمت في السابق وقبل وصول السيارات إلى المملكة. كل ذلك يقودنا إلى العمل على نشر هذه الرياضة بطرق مختلفة من أهمها:
أولاً: تهيئة المسارات في كل مدينة وقرية، وذلك يتطلب الحماس والمتابعة من محافظ البلدة أو رئيس مركزها، وإعطاء المهمة لشخص مختص أو ممارس لهذه الرياضة للتواصل مع الجمعية لزيارة المنطقة ومقابلة المسؤول الأول في كل منطقة أو مدينة، والمساعدة في اختيار أفضل الدروب من واقع خبرة. ومن المهم البحث عن الممولين لتهيئة هذه الدروب. علينا أن نغير نظرتنا للعمل الخيري، ولا نقصره على مجالات متشبعة بعطايا المحسنين، بينما لا تجد مثل هذه المشروعات المهمة للصحة والاقتصاد من يدعمها.
ثانياً: ستصبح السمنة هي القاتل الأول على مستوى العالم، فهي الحاضنة للكثير من الأمراض المزمنة، وهي المسبب الرئيس لإعاقة كبار السن وخاصة النساء. وحين نطبق مبدأ الوقاية، والرعاية الصحية الأولية نجد أن الرياضة من أهم سبل الوقاية، وأن تكاليف إنشاء وتجهيز ميادين المشي الجبلي، والمماشي المشجرة داخل المدن، والحدائق الكبيرة لا تقارن بأي حال من الأحوال بتكاليف بناء المزيد من المستشفيات وتكاليف علاج الأمراض المزمنة الباهظة التي من أهم أسبابها السمنة والتدخين ونمط العيش.
ثالثاً: بعض المواقع مهيأة للسياحة الرياضية أكثر من غيرها لاستقطاب السائحين من داخل المملكة وخارجها. والغاط على سبيل المثال مهيأة لهذه الرياضة لأسباب كثيرة، منها طبوغرافية المدينة التي تحيط بها الجبال، وتتوسطها الأودية، وتحتضنها كثبان الرمال من الجهة الغربية، وفي واديها الكبير يوجد المتنزه الوطني الذي يمتد على مساحة 33 كم مربع وتغطيه أشجار البيئة كالطلح والسدر، ويمتاز بكثرة المغارات التي هيئت للسائحين، كما تتوافر في المحافظة المياه العنصر الأساس للسياحة الزراعية والبيئية أيضا، كما أن قربها من الرياض بسكانه الملايين سيعطيها الميزة النسبية على غيرها الأبعد.
رابعاً: السياحة عمل تكاملي، وقد أحسنت هيئة السياحة (وزارة السياحة حالياً) ببناء متحف جميل وشامل اتخذ من قصر الإمارة في الغاط مقراً له، ويحوي ما تحفل به المحافظة من آثار وحفريات، وإرث تاريخي مشرف لما قدمته المحافظة، وأسرة السدارى بشكل خاص من دعم ومؤازرة لهذه الدولة المباركة، ومنذ قيام الدولة السعودية الأولى، ويكفي فخراً أن الغاط مولد والدة المؤسس الملك عبدالعزيز سارة بنت أحمد السديري، والأميرة حصة بنت أحمد السديري والدة الملك فهد -رحمه الله-، والملك سلمان -يحفظه الله-.
المملكة مقدمة على نهضة رياضية وسياحية كبيرة، وأفضل الأنشطة التي تخدم هذا التوجه هي المشروعات التي لها صفة الاستدامة، ولا تضرّ بالبيئة ومن أهمها رياضة المشي والعيش داخل المزارع للتمتع بالهواء النظيف، والغذاء الصحي والعضوي، وممارسة الأنشطة التي تجلب الراحة والصحة كالتأمل والتنفس العميق واليوغا وغيرها.
التعليقات