يصف علماء الجيوسياسيين "منظمة شنغهاي" بأنها دفاع «قلب العالم» عن نفسه أمام هجوم الدولة البحرية الأقوى (الولايات المتحدة) كما يقول بريجنسكي في كتابه «لعبة الشطرنج الكبرى».
وتميز النظام الدولي بتغيرات عالمية كبيرة طوال القرن العشرين. ومع بداية القرن الحادي والعشرين طغى التعقيد على طبيعة العلاقات الدولية، وكانت السمة الغالبة في هذه الفترة هي سعي الدول للاندماج فيما بينها بحثًا عن تعاون عالمي في مواجهة التعقيد الذي صبغ العلاقات الدولية. ومنذ منتصف القرن العشرين وحتى العقد الحالي، انتشرت المنظمات الإقليمية بسرعة كبيرة في مناطق مختلفة من العالم.
وفي منطقة أوراسيا، تطورت وتيرة التعاون الدولي بين دول المنطقة، لكنها تميزت بالبطء، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، حاولت جمهوريات آسيا الوسطى إنشاء علاقات جديدة على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف.
وفي الوقت الذي دخلت فيه دول العالم حِقبة جديدة من تعاون متعدد الأطراف، تمخض عنه ظهور منظمات دولية للنور، سعت دول أرواسيا لإيجاد نوع من التعاون الإقليمي وشاركت في تأسيس منظمات إقليمية عديدة منها، المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية، ورابطة الدول المُستقلة، ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وعلى الرغم من أن عددًا من هذه المنظمات واجه مجموعة كبيرة ومتنوعة من العقبات في تطورها وتوسعها، كانت منظمة شنغهاي للتعاون منظمة فاعلة بدرجة كبيرة في المنطقة. وقد تكون هذه المنظمة تجسيداً لرؤية روسية - صينية لعالم ما بعد النيوليبرالية (Post - Neoliberalism)، ورداً آسيوياً على العولمة بمفهومها الغربي «لأمركة العالم»، بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي، كما أن دعوات أعضائها للحوار بين الحضارات المختلفة تشكّل جواباً على بطلان دعاوى «صراع الحضارات» التي نادى بها هنتغتون كتفسير لمسيرة التاريخ الحضاري للبشرية، كذلك هي إشارة على أن التاريخ لم ينتهِ كما بشّر المفكر الأميركي فوكو ياما في كتابه «نهاية التاريخ».
ونص الإعلان عن تأسيس المنظمة أنها وجدت لتحقيق الأهداف التي تتضمن تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار ما بين الدول الأعضاء وتطوير التعاون الفاعل بينها في السياسة والتجارة والاقتصاد، والعلــوم والتكنــولوجيا والثقــافــة، وفي شــؤون التربية والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة والعمل على توفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة وتطوير وتقدّم الأفكار للوصول إلى نظام سياسي واقتصادي عالمي ديمقراطي، عادل وعقلاني متوازن. وتؤمن المنظمة إن التبدّل الحاصل على الصعيد الدولي المعاصر والرغبة في السلام والتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون المتوازن أصبحت سمة هذا العصر، لذلك فإن التوجّه في النظام المتعدّد الأقطاب في العالم أصبح أمراً لا مفر منه، وهناك دلالات متنامية لقدرة المنظمات الإقليمية على حل المشاكل والأزمات.
كما تؤمن المنظمة أن التعاون الدولي هو أداة أساسية وفعّالة لاحتواء الأخطار والتحديات القادمة، خصوصاً الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتأمين موارد الطاقة، والأمن الغذائي، كذلك مشاكل تغير المناخ وتداعياته وتعزيز مركزية ومشاركة منظمة الأمم المتحدة في العلاقات الدولية وتفعيل آليات عملها لتتواءم مع مخاطر العصر وتحدياته، وإصلاح مجلس الأمن من خلال ضمّ عدد أكبر من الدول إلى عضويته فلا يبقى حكراً على الخمسة الكبار. وعلى الرغم من أن إعلان تأسيس المنظمة لم يشر إلى الجانب العسكري، فإن روسيا والصين ودول المنظمة قامت بإجراء مناورات عسكرية مشتركة أكثر من مرة. فقادة دولها توسّعوا في أهداف المنظمة لتشمل إلى جانب مكافحة الإرهاب والمخدرات والجرائم عبر الحدود ومواجهة حركات الانفصالية والتطرف، إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دولها، وإنشاء مشروعات مشتركة في قطاع النفط والغاز والموارد المائية، كذلك إنشاء مصرف مشترك والسعي إلى إصدار عملة موحّدة فيما بينها. وهناك من يعتقد أن هدف المنظمة هو منع انفلات الأوضاع على حدود كل من الصين وروسيا، واندلاع الأزمات التي تسمح للولايات المتحدة وحلفائها بالتدخل على حدود المنطقة القريبة من هاتين الدولتين.
المستقبل قد يحمل الإجابة على أهمية هذه المنظمة ودورها على المسرح الآسيوي والأوروبي والعالمي ولعل دخول الهند إليها قد يشكّل رجحاناً هاماً على الصعيد الجيوسياسي والجيوستراتيجي العالمي.
وأصبح من الواضح، أن العالم اليوم وبعد سلسلة الإخفاقات السياسية الأميركية والعسكرية في أفغانستان والعراق، والأزمة الاقتصادية العالمية والانكماش والركود في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأ يفتش عن بدائل ووسائل جديدة لقيادة العالم بطريقة أكثر استقراراً وأمناً، وأقل تفرّداً وهيمنة أحادية، لذلك وجد بعض الدول الكبرى أنه من الممكن العودة إلى المسرح العالمي من بابه الواسع (إقامة الأحلاف) ومشاركة الولايات المتحدة لإعادة إيقاف العالم على رجلين اثنتين، أو ربما أكثر، فيصبح أكثر توازناً واستقراراً.
التعليقات