وبعد أن أسهب ابن جبير في وصف الحرم، بدأ في الحديث عن أيام ختم القرآن في الحرم المكي فذكر أن القرآن يختتم في كل ليلة من ليالي الوتر، حيث تختم جماعة من الجماعات الموجودة في الحرم القران الكريم، ومما يلفت النظر فيما ذكره ابن جبير ان من يختمون القرآن الكريم قبل ليلة تسع وعشرون وهي ليلة الختم الكبرى، هم أبناء المكيين ممن لم يتجاوزا سن الخامسة عشر وربما أقل من ذلك، ووصف احتفالات أهالي هؤلاء الفتية بالختم واستعدادهم له ومن ذلك قوله في وصف ختم ابن من أبناء الإمام الحنفي: "كان احتفال الإمام الحنفي لأبنه في هذه الليلة عظيما، أحضر فيه من ثريات الشمع (الشمعدانات) أربعا مختلفات الصنعة منها مشجرة مغصنة مثمرة بأنواع الفواكه الرطبة واليابسة، ومنها غير مغصنة فصفت امام حطيمه -يقصد المقام الحنفي- وتوج الحطيم بخشب وألواح وضعت أعلاه، وجلل ذلك كله سرجا ومشاعيل وشمعا، فاستنار الحطيم بخشب وألواح وضعت اعلاه وجلل ذلك كله سرجا ومشاعيل وشمعا، فاستنار الحطيم كله حتى لاح في الهواء كالتاج العظيم من النور، واحضر الشمع في أتوار (أوعية) الصفر، ووضع المحراب العودي المشرجب، فجلل دائرة الأعلى شمعا، وأحدق الشمع في الأنوار به، فاكتنفته هالات من نور، ونصب المنبر قبالته مجللا أيضا بالكسوة الملونة، واحتفل الناس لمشاهدة هذا المنظر النير..".

ونلاحظ مما سبق إضافة إلى روعة الوصف، الأناقة في تنسيق المكان وإضاءته، كما نلاحظ أن الموقف في مجمله هو موقف تعليم واعداد للأئمة والخطباء في الحرم، وبيان مقدار الاحتفاء بالحفظة وتشجيعهم، مما يبث في انفسهم الثقة، لذلك نلحظ في كثير من تراجم القراء والأئمة والعلماء في الحرمين الشريفين وحتى القرن الماضي أن بداية مسيرتهم العلمية بدأت من خلال الإمامة في صلاة التراويح.

حسام عبدالعزيز مكاوي -

باحث في تاريخ مكة المكرمة