تتنوع مظاهر وعادات شهر رمضان المبارك من بلد إلى بلد آخر، نستضيف اليوم الدكتور عبدالستار الجنابي سفير الجمهورية العراقية لدى المملكة ليحدثنا عن رمضان في العراق قديماً وحديثاً فإلى الحوار:
ماذا بقي من ذكريات سنواتكم الأولى في الصيام؟ وكيف كانت أجواء رمضان في العراق قديما؟
طبعا الذكريات الأولى باقية في الذهن خصوصاً في رمضان، وأتذكر عندما كنا أطفالا نحاول تقليد أهالينا في الصيام مع عدم إتقاننا للموضوع بشكل كامل فنتظاهر بأننا أكملنا صيام اليوم كاملاً، ولكن هذا غير صحيح وكما يقال بالمحكي العراقي "نزوّغ" بمعنى نكذب الحقيقة كنّا "نزوّغ" إما نأكل تمرة أو أي شيء أو نشرب ماء.. لكن لما كبرنا عرفنا بطبيعة الحال موضوع الصيام وأهميته وأنه ركن من أركان ديننا الإسلامي الحنيف، كنا نلاحظ أهالينا وهم يعدّون العدّة لشهر رمضان، وخاصةً التسوّق قبل حلول الشهر والاستعداد له من جميع النواحي نفسياً وعاطفياً وروحانياً ومادياً أيضاً حيث كانت المساجد والجوامع في العراق بعد صلاة العشاء والتراويح تنظم المحاضرات فكنّا ونحن صغار نحرص على الجلوس مع آبائنا وأجدادنا للاستماع إلى الإرشادات، كما كنا نحرص على أن نستيقظ على وقت السحور حيث كانت وجبة مهمة وكان جدّنا يحرص على أن يكون السحور مطبوخا حديثا وحار"طازج" وليس الاعتماد على ما تبقى من وجبة الإفطار وكان هذا الشيء مُتعب إلى حدّ ما للعائلة وخاصة النساء بالإعداد والطبخ مرة ثانية الآن صارت الأمور أسهل بكثير، أستذكر أيضاً بأن أجواء رمضان مختلفة عندما كانت العائلة بكل تفرعاتها الجد والأعمام وزوجاتهم وأولاد الأعمام يعيشون في بيت واحد مما يضفي جو من الألفة والمحبة والحميمية وصورة للعائلة العراقية المتقاربة والمتراصّة.
متى كان أول رمضان تصومونه خارج البلاد؟
أول رمضان صمته خارج العراق كان في جمهورية مصر العربية الشقيقة وتحديداً في القاهرة أثناء عملي لأول مرة خارج العراق في مندوبية العراق الدائمة في جامعة الدول العربية فكانت تجربة جديدة بالنسبة لي خصوصا في عاصمة لا تنام كالقاهرة وتأكدت حينها بأن الأفلام المصرية لم تتجاوز الحقيقة عن القاهرة إلا أنني لاحظت كثيرا من التفاصيل التي تدفع زائرها للاستمتاع بها سواء في الخيام الرمضانية المنتشرة المفعمة بالنشاط والحيوية وأيضاً الأماكن التراثية والدينية الموجودة في القاهرة ذات القيمة الروحية العالية سواء في سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وخان الخليلي وأماكن كثيرة أخرى أيضا.
ما العادات والتقاليد العراقية خلال شهر رمضان المبارك؟
لا شك أن التطور الذي حصل في العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة كان متسارعاً جداً أثّر على كل مناحي الحياة وعلى عاداتنا وتقاليدنا أيضاً بما فيها موضوع الصيام والتعامل مع شهر رمضان، لكن من العادات الرمضانية تبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء والسهر في البيوت وتبادل الأكلات خاصة الجديدة وكما نقول بالمحكي العراقي (يتنغص) للجيران فعادةً العوائل تتبادل الأطباق فيما بينها قبل الإفطار وهذا من العادات والتقاليد التي لا تزال موجودة حتى الآن، عندنا أيضا (أبو الطبل) أو (المسحرجي) كما نسميه في العراق وهو الشخص الذي يحمل آلة الطبل المعروفة ويلفّ في الأحياء ويضرب على الطبل وينادي بكلمات مثل (سحور) و(يا صايم اذكر ربك) وعدة كلمات أخرى لتنبيه النائم لكي يلحق على السحور وكان موجود إلى سنوات قريبة تقريبا إلى التسعينات وكان (المسحرجي) يعمل طوال الشهر الفضيل ونهاية الشهر يلفّ على الأحياء ليأخذ الإكرامية أو العيدية في وقت العيد، أيضاً هناك لعبة (المحيبس) وكلمة المحيبس مأخوذة من المحبس أي الخاتم وهي مشهورة في العراق وطريقة اللعبة يكون هناك فريقان مكوّنان من عشرين إلى 30 شخصا لكل فريق حيث يقوم أحد الفريقين بإخفاء المحبس بين أعضاء الفريق وتكون مهمة رئيس الفريق المقابل استخراج المحبس من بين أيدي الفريق الخصم، وفي كل فريق هناك شخص يدير الأمور أشبه بالكابتن، طبعاً مهمة اخراج المحبس من بين ستين يد مهمة ليست سهلة، فحامل المحبس إذا لم يكن يتميز بشخصية قوية وذا رباطة جأش قوية فإن الخوف يكون واضح على شخصيته، ما يؤدي إلى استخراج المحبس بسهولة وتسجل نقطة للفريق الخصم، وهذه من الألعاب التي لا تزال مستمرة بين الأحياء والمناطق وتكون الجائزة عدد من أطباق الحلويات العراقية كالبقلاوة والزلابيا توزع على الموجودين.
كذلك هناك تقليد الماجينا وهو عبارة عن تجمع للأطفال في ليالي رمضان يتجولون في الأحياء القريبة وبين الأزقة يقفون أمام أبواب المنازل ويرددون بعض الأهازيج مع استخدام آلة الطبل مرددين (ماجينا يا ماجينا حلي الكيس وأعطينا تعطونا لو نعطيكم بيت مكة نوديكم ربي العالي يعطيكم) للحصول على الحلوى وربما بعض النقود وكذلك يدعون لراعي البيت وفي هذه الحالة يخرج أهل الدار لإعطاء الأطفال الحلوى وفي حالة عدم إعطائهم الحلوى أو طرد الأطفال من أهل الدار لأنهم تسببوا في الإزعاج مثلاً يرمون عليهم المياه من السطح وفي هذه الحالة يتحول صوت الأطفال إلى ذم أهل الدار بأهزوجة أخرى مثل (أهل الفقر رشو علينا الميّة أي الماء) ولكلمة ماجينا معان ٍمتعددة ولكن أعتقد أنها أشبه بتقليد القرقيعان في دول الخليج العربي.
ما الأطباق الرمضانية المشهورة بها المائدة العراقية؟
المطبخ العراقي واسع ومتنوع وهناك أكلات عامة يعرفها كل العراقيين وهناك أكلات خاصة تختص بها بعض المناطق أو المحافظات العراقية، فمن الأكلات العامة والمهمة في رمضان لكل العراقيين شوربة العدس لا يستغني عنها العراقيون في وجبة الإفطار، ومنقوع التمر الهندي الذي ينتشر في شهر رمضان، والأرز بأنواعه أكلة عامة في العراق ويتم طبخه بعدة أشكال أرز بالسمك، أرز بالدجاج، أرز بالكمأ في موسم الكمأ، أرز بالعدس وأرز بالماش، أكلة القوزي أي لحم الغنم على التمّن مع أنواع (المرق) مرق باميا، فاصوليا خضراء وفاصولياء يابسة والتبسي طبعا والدولمة نوع مهم في العراق وهي سيدة المائدة العراقية فضلا عن البرياني العراقي المميز، وشيخ المحشي وهناك السمك المسكوف والكباب العراقي المميز والتشريب إضافة إلى الدجاج (الشوي والتشريب) وأنواع الكبة مثلا تشتهر الموصل بالكبة الموصلية والبرغل، وتشتهر الأنبار (بالدليمية) وتشتهر البصرة مثلا بأكلة المسموطة وهي عبارة عن سمك ينظف ويملّح جيدا ويعلق في حبال تحت أشعة الشمس حتى يجف بشكل تام بعدها يطبخ بالزيت والماء مع البصل والثوم والتوابل ولومي البصرة ( ليمون البصرة ).
وهناك الأكلات التي يختص بها إقليم كردستان العراق، وهناك نذكر لبن أربيل الشهي بطعمه المميز والدولمة البيضاء، والدوغاو وهي عبارة عن شوربة مشهورة في أربيل تتكون من السلق واللبن والثوم والليمون وتقدم عادة في موسم الشتاء، والداندوك وهي مرق يقدم مع الرز ويتكون من اللبن والحنطة والنعناع وكذلك التوجمة وهي تعني الدولمة.
وفي محافظتي النجف وكربلاء مثلا هناك أكلة الفسنجون التي تختص بها هاتان المحافظتان وهي خليط من الدجاج والجوز والراشي أو الطحينية مع حامض عصير الرمان ويضاف لها السمن والسكر وهي من الأكلات الصعبة التحضير، وأكلة القيمة التي تشتهر بها المدن المقدسة في بغداد وكربلاء والنجف ومن الحلويات الشهيرة في النجف الأشرف (الدهينة) ومن العصائر الشهيرة في النجف عصير الاسكنجبيل وهو محلول حلو المذاق مع قليل من الحامض وعطر النعناع وهو منعش ويستخدم كعصير مثلج.
ما الموقف أو الحدث المرتبط بشهر رمضان ولا زال عالقاً في ذهنكم سواءً على الصعيد الشخصي أو العام؟
في الحقيقة أثناء فترة عملي في القاهرة كانت الموائد الرمضانية قبل الغروب عامرة فهي منتشرة في كل مكان في القاهرة فكان هذا المشهد بالنسبة لي ملفت للغاية حيث شاركت وتناولت وجبة الإفطار في إحدى الموائد رغم عدم احتياجي ولكن من باب المشاركة في الموائد الرمضانية على بساطتها لكنها نوع مهم من أنواع التكافل الاجتماعي بالنسبة للفقراء وأيضا حتى من يتأخر على وصوله أو يباغته وقت الإفطار وهو على الطريق وكذلك عابري السبيل والمسافرين والغرباء فكل الناس من كافة المستويات تجدهم في تلك الموائد الرمضانية وهذا شيء جيد.
يحظى العُمّار والزوّار خلال شهر رمضان المبارك بمنظومة خدمات متكاملة لتسهيل أداء عباداتهم بكل يسر وسهولة واطمئنان؛ كيف يرى سعادتكم عناية حكومة المملكة بالحرمين الشريفين خصوصاً في هذا الشهر الكريم؟
في الحقيقة مشهود للمملكة العربية السعودية خدمتها للحجاج والمعتمرين وتطوير منظومة الحج والعمرة التي استمرت طوال فترة تأسيس المملكة الممتدة على مدى السنوات الماضية لدورها الجبار واهتمامها بهذا الركن من أركان الإسلام واستمر نهج المملكة في هذا الاتجاه وخلال فترة خدمتي في المملكة كسفير لبلادي أستطيع القول إنني كنت شاهد عيان على التطوير النوعي لمنظومة الحج والعمرة خاصة في الأعوام القليلة الماضية فرأينا إطلاق الكثير من المبادرات لعل آخرها إتاحة التأشيرة الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول وكذلك تمديد موسم العمرة والسماح للمعتمرين بالتجول في جميع أنحاء المملكة، وكذلك لاحظنا تسخير المملكة للتطور العلمي والتكنولوجي والذكاء الاصطناعي في إدارة حشود المعتمرين وفقاً لتوقيتات زمنية محددة سهّلت الحركة وسهّلت على المعتمرين أداء مناسكهم بشكل صحيح ومنظم بل حتى مع ظروف جائحة كورونا كانت المملكة من الدول الرائدة في التعامل مع الجائحة فلم تتوقف العمرة بل تم استخدام تقنين ونظام خاص أدى لاستمرار المناسك خلال فترة السيطرة على الجائحة حتى تم فتح الحج والعمرة بشكلها الطبيعي الحالي ولله الحمد بالنسبة للعراق هناك تطور مهم في هذا الموضوع العراقيين يشكّلون أعلى نسبة من المعتمرين في العالم فقد وصل عددهم العام الماضي 1443 إلى واحد وثمانين ألف معتمر والجديد في الموضوع فتح منفذ عرعر للمعتمرين برّاً وعبر مركباتهم الشخصية هذا بلا شك أدخل ارتياحا كبيرا داخل المجتمع العراقي، تمنياتي للجميع بقبول الصيام والقيام والدعوات وسائر الأعمال، وأن يعيد الله سبحانه وتعالى الشهر الفضيل على المملكة وهي بأفضل حال، وقادة المملكة بالصحة والسلامة، وشكراً جزيلاً لجريدة «الرياض».
التعليقات