كما أن شعور الفرح يبقى، لا يزول الحزن، الذاكرة الانتقائية ليست خيارًا متاحًا، تحدث غالبًا بمحض الصدفة أو العمر، ما يحصل هو تجريب فكرة التعود ما أمكن، والركض باللحظة حتى أبعد نقطة من الوقوف الأصلي، لا ضمانات كلية، ولا ثبات على التغيير، ولا حصانة من الاشتياق أو التذكر.

الاستعاضة مفهوم زئبقي. لا شيء، ولا أحد، يمكن أن يكون بديلاً لآخر، الأشياء، والشخوص، يلمعون بمزاياهم الذاتية. التوهج الخاص مكون فريد، لا يُستنسخ بالمحاولة أو الاستبدال. الاختيارات الجديدة تستوجب اختلاف الظروف، والعوامل اللصيقة.. المعطيات القديمة تنبت مخرجات مشابهة، وربَّما مشوهة.

المرات الأحدث تمر بفرازات الأقدم منها. تبنى الفلاتر بشكل تراكمي، وصولاً للتحصن. تصبح القلاع أساسًا، والأبواب المشرعة استثناءات. يكون الشك مقدَّمًا على اليقين، والرفض يسبق القبول، والغياب أبقى من الحضور. لا بدَّ لبناء الثقة، أو إعادتها، تقديم جيش من العهود الفعلية.. يموت أمان الأقوال والوعود، تمامًا.

الغضب الكبير مصنوع بمجموعة من العتب الكامن المتراكم، واللوم المؤجل يفضي إلى الوجع المستمر، ليس كل تأجيل يرمي لانفجار مؤكد، قد يذوب ويتلاشى على شكل رحيل. المربك دائمًا هو الغياب المتردد، أو المبكر عن وقته المحدد، الأكثر وجعًا وإرباكًا، هو الرحيل المنطقي المناهض للرغبة العاطفية!

نحن كلنا -بعيوبنا ومزايانا- نتيجة كل المحاولات البائدة، بكل يأس وأمل وزهد ورغبة وتواضع وغرور، ونسخنا المحسنة تربض على ذكريات هجينة، أفراح وأضدادها. وكل ما نكونه ليس نهائيًا.. رحلة التشكل لا تتثاءب، وليس للتجربة أطر للتوقف، أو التعب.

مشكلة المرة الأخيرة، أن لا أحد يعرف أنها الأخيرة. والسلام..