التضخم "بعبع" المصارف المركزية وأكبر مهددات الاقتصاد العالمي، ولذلك تم التعامل معه العام الماضي بقوة من خلال تشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة، الفيدرالي الأميركي زاد أسعار الفائدة خلال عام 2022 من 25 نقطة أساس الى 450 نقطة أساس، ومتوقع أن يستمر هذا العام في رفع أسعار الفائدة ولكن بوتيرة أقل من العام الماضي، هذه الإجراءات القاسية ساهمت فعليا في خفض معدلات التضخم من 9.1 في شهر يونيو الماضي إلى 6.5 في شهر ديسمبر ويهدف الفيدرالي الوصول إلى تضخم في حدود الـ2 % ومع أن المؤشرات أظهرت تحسنا في كبح التضخم إلا أن الفائدة المرتفعة وجهت ضربة قوية للأسواق الصاعدة، فارتفاع أسعار الفائدة الأميركية يؤدي عادة إلى ارتفاع سعر الدولار وخروج الاستثمارات المالية، وربما ينتج عنها نشوء أزمات لعملات الاقتصادات النامية، في السعودية ارتفع مؤشر التضخم من 1.2 في شهر يناير إلى 3.1 في شهر سبتمبر 2022، إلا أن المؤشر تراجع في الشهرين التاليين إلى 2.9 حسب قراءة شهر نوفمبر، ولا شك بأن الإجراءات الحكومية ساهمت في التخفيف من آثار التضخم في السعودية مما جعلها من أقل الاقتصادات العالمية في معدلات التضخم، من تلك الإجراءات الاستباقية القرار الملكي الذي ثبت سقف أسعار البنزين في شهر يوليو من عام 2021، والدولة تحملت فارق الزيادة في أسعار البنزين عن السعر المسجل في شهر يونيو 2021، هذا القرار الحكيم ساهم في تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين والمقيمين، ودعم النشاط الاقتصادي المحلي، كذلك تم تخصيص 20 مليون ريال لتخفيف أعباء التضخم ومنها دعم صغار مربي الماشية، وخصص مبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية، وتم تمديد القرار هذا العام 2023، وعلى أن التضخم في أغلبه تضخم مستورد، إلا أن عودة التضخم للارتفاع في شهر ديسمبر دق جرس الإنذار لأن الارتفاع جاء من زيادة تكاليف السكن حيث سجلت مدينة جدة أعلى نموا في مؤشر السكن الكلي بزيادة تُقدر بـ19 % وجاءت الرياض في الترتيب الثاني بزيادة حوالي 8 % على أساس سنوي، وجاء التأثير الكبير من الإيجارات السكنية حيث ارتفع متوسط الإيجارات على مستوى المدن الرئيسة إلى 7 % جاء التأثير الأكبر من مدينة جدة بنسبة تجاوزت 23 % ثم الرياض بنسبة 9 % وعند الدخول إلى الوحدات الأكثر ارتفاعا كمتوسط عام للمدن الرئيسة نجد أن الشقق هي الأعلى ارتفاعا بنسبة 18 % ثم الفلل دور واحد بنسبة 10.5 %، البيانات الإحصائية للتضخم الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء لم تتضمن تفاصيل ارتفاع الإيجارات السكنية حسب نوع الوحدة في كل مدينة، ولذلك حاولت الوصول إلى هذه النسبة بعد تحليل عدد من الأرقام المتاحة، وتوصلت إلى هذه النتيجة، إيجارات الشقق ارتفعت بنسبة 35 % في مدينة جدة وبنسبة 19 % في مدينة الرياض، التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع الإيجارات السكنية متأثرة بارتفاع تكاليف القروض العقارية وأسعار مواد البناء والنمو السكاني الكبير في مدينة الرياض ومشاريع إزالة العشوائيات في مدينتي جدة ومكة المكرمة والتأخر في تطويرها، وسوف يستمر تضخم مؤشر السكن خلال هذا العام وربما الأعوام القادمة وقد يؤثر على خطط الحكومة للسيطرة على معدل التضخم، وزير المالية محمد الجدعان صرح خلال منتدى دافوس الاقتصادي أن السعودية تستهدف الوصول بمعدل التضخم إلى 2.6 % عام 2023 وهذا تراجع عن مستهدف الحكومة حسب البيان التمهيدي لميزانية 2023 والذي كان يستهدف معدل 2.1 % وإن كانت الحكومة قد نجحت في السيطرة على التضخم خلال العام المنصرم إلا أن السيطرة على تضخم الإيجارات السكنية قد يكون صعبا للغاية ويحتاج إلى سنوات كي يتم توفير وحدات سكنية تسد الفجوة بين الطلب والعرض، أما إذا نظرنا إلى معدلات التضخم حسب البنود الرئيسة الأخرى نجد أن أغلبها يمكن للمستهلك التحكم فيها بالتخفيف من الإنفاق عليها كالمطاعم والمقاهي والمواد الغذائية والكماليات، أما بند السكن تكمن خطورته في أن المستهلك لا يستطيع التحكم فيه وهذا البند يستقطع من دخل الأسرة ما نسبته 25 % في الأوضاع الطبيعية فكيف إذا ارتفع المؤشر بنسب تصل إلى 35 % كما حدث في مدينة جدة؟ الأمل بمبادرة حكومية تتبنى أزمة تكاليف السكن من خلال برامج الحماية الاجتماعية لدعم الإيجارات السكنية للأسر الأشد حاجة إلى ذلك، وتخصيص الدعم الأكبر للساكنين في المدن التي شهدت ارتفاعات حادة في أسعار إيجارات السكن.

التعليقات