تجمع المملكة واليابان علاقات اقتصادية واستراتيجية وثيقة وراسخة، فمن جانب المملكة فهي مصدر النفط الأول لليابان، ومن جانب اليابان فهي تتبوأ موقع ثالث أهم شريك تجاري للمملكة باستثماراتها في الصناعات التحويلية والبتروكيماويات والمعدات والاستفادة من التقنية اليابانية في تأسيس صناعة السيارات في السعودية. وبناءً على هذه العلاقة المتميزة بين البلدين فقد انطلقت الرؤية السعودية اليابانية 2030 في العام 2017 لتمثل رؤية مشتركة بين البلدين الصديقين لتشمل العديد من اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون بين الدولتين في قطاعات متعددة منها البنى الأساسية والصناعات المنافسة ومجالات الطاقة المتجددة وأوجه الاستثمار وتحلية المياه والرعاية الطبية والمجالات الثقافية والإعلامية والترفيهية. وتدعم الرؤية المشتركة اهتمام البلدين بالتنوع في التبادل الاقتصادي وتطوير معطيات الثورة الصناعية الرابعة في المملكة، كما تركز على دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية البينية والتبادل التجاري في صادرات البترول وتطوير البنية التحتية للصناعات البترولية وصناعة الغاز الطبيعي واستيراد المركبات، إضافة إلى إطلاق مبادرات تهدف لتسهيل أداء الأعمال التجارية بين البلدين وتوثيق عرى التعاون بين هيئات سوق المال وتطوير إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول والتعاون المتبادل في مجالات الإعلام والتعليم والثقافة والرياضة والترفيه. ووفقا للرؤية المشتركة اتفقت المملكة واليابان للعمل على نحو 43 مشروعا، يعتبر 31 منها مشاريع تجريبية للتوسع في استخدامات الطاقة المتجددة، وتطوير القطاع الصناعي في المملكة وبناء قدرات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في المملكة، إضافة إلى تبادل الخبرات وتطوير قاعدة للتواصل بين منشآت البلدين، والتعاون في مجالات الخدمة الاجتماعية ودعم التعاون المؤسسي بين سوق الأوراق المالية السعودية والأسواق المالية اليابانية.

ومن خلال هذه المشاريع تسعى المملكة نحو عصر صناعي متطور تسود فيه التقنيات المتقدمة في مجالات الرقمنة والذكاء الاصطناعي والروبوتات وتقنيات النانو والحوسبة وإنترنت الأشياء والطباعة ثلاثية الأبعاد والمركبات الذاتية مما يبشر باتساع عميق بتحويل أنظمة الإنتاج والإدارة والتحكم والتسويق بأكملها وجعلها تتمتع بنوع من الاستقلالية والمرونة والذكاء لتفهُّم وتحليل الإشارات التي تستقبلها في تنفيذ المهام المبرمجة وتسريع حركتها وإجراءاتها.

ومن الاتفاقيات التي تمت بين الطرفين السعودي والياباني في منتدى الاستثمار السعودي – الياباني الذي عقد يوم الاثنين 26 ديسمبر 2022 بمدينة الرياض تم تسليط الضوء فيه على فرص الاستثمار بما يعمل على تقوية وتعزيز الشراكة الاستثمارية بين البلدين في ضوء الرؤية السعودية اليابانية 2030، ولقد كان هناك مشاركة واسعة بين القطاع الخاص السعودي ونظيره الياباني حيث استعرض الطرفان خلال جلسات المنتدى فرص توسيع الشراكة الاستثمارية بين البلدين في القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية في بيئة الاستثمار في المملكة والمشاريع الكبرى المرتبطة برؤية المملكة 2030. كما شهدت أعمال المنتدى مشاركة كبيرة من المستثمرين ورجال الأعمال والشركات في البلدين تم على إثرها تبادل 15 مذكرة تفاهم استثمارية بين الجانبين في مجالات استثمارية عديدة، كما كان هناك نتائج اقتصادية كبرى تمخضت عن الجلسات واللقاءات الثنائية التي تمت بين ممثلي القطاع الخاص وكبريات الشركات السعودية واليابانية، لبحث أوجه التعاون وفرص الاستثمار. ويذكر أن منتدى الاستثمار السعودي – الياباني يستهدف توسيع الشراكة التجارية والاستثمارية بين البلدين في ضوء الرؤية المشتركة السعودية – اليابانية 2030 في قطاعات الاستثمار ذات الأولوية، كما يعكس اهتمام المملكة بتعزيز الشراكات الاستثمارية بين المملكة ومختلف دول العالم.

وحيث إن السيارات الكهربائية تمثل لدينا هاجسًا مُلحاًّ فقد تطرق الجانبان لها، إذ علينا أن نبدأ جديًا في استخدامها باستخدام الطاقة المتجددة، هذا على الرغم من أن احتياطيات البترول لدينا مرتفعة ولله الحمد وبعيدة عن الانخفاض أو التلاشي بيد أن استهلاكه وبشكل غير منظم ومنتظم قد يفضي إلى نضوبه في المستقبل، ونرى أن استخدام بل وتصنيع المركبات الكهربائية سيؤدي إلى تطوير صناعات أخرى مصاحبة لها مثل صناعة البطاريات وشواحنها وقطع غيارها وصيانتها، وقد قطعت المملكة مراحل مهمة في تنويع مصادر الاقتصاد خاصة بعدما أكدت الشواهد والوقائع أن المركبات الكهربائية أكثر ملاءمة للبيئة وأقل استهلاكًا للوقود. لذا يعتبر إنشاء مركز لتصنيع المركبات الكهربائية في المملكة متماشيًا مع الاستراتيجية الهادفة إلى تنويع القاعدة الاقتصادية، وبالأخص تنمية وتطوير وتنويع القطاع الصناعي وتوسيع قاعدته كجزء من رؤية المملكة 2030، وذلك من أجل تمكين هذه الصناعة الجديدة من التوسّع والانتشار في المملكة حيث تتميز أيضًا بكونها من أفضل صناعات المستقبل تقنية وجدوى، لذا فالمملكة تزمع كما أفاد معالي وزير الاستثمار في كلمته أمام المشاركين في المنتدى التوجه نحو صناعة 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً كحد أدنى بحلول 2030م مستندا معاليه على ما تعكسه استراتيجية هذا الاستثمار من الفرص المستقبلية التي توفر نموًا في العوائد وإضافة للدخل والذي يعد خطوة نحو تنويع عائدات للصندوق السيادي السعودي وللمملكة ككل، وهذا بالطبع يواكب جهود المملكة في رؤيتها الحكيمة الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي والتحول من استهلاك الوقود التقليدي إلى الطاقة النظيفة الموائمة لصحة الإنسان وسلامة البيئة.

لذا، فإن الدروس المستقاة والنتائج المستفادة من أعمال منتدى الاستثمار السعودي الياباني تعكس وتجسد رغبة وتوجُه واهتمام حكومتنا الرشيدة في دفع عجلة التنوّع الاقتصادي، وتوطين سلسلة الإمدادات الصناعية وفي تعظيم وتعزيز وتنويع الشراكات الاستثمارية بين المملكة ومختلف دول العالم، فمنذ أن بزغت رؤية 2030 فقد وعدت وبشَّرت بكيان اقتصادي وطني قوي ذي قاعدة صلبة وبناء متماسك يعتمد على مجالات اقتصادية متنوعة تتميز بالاستدامة المالية القادرة على دعم مشاريع متعددة ليس في داخل المملكة فحسب بل ترنو نحو تبادل الاستثمارات مع الاقتصادات الصديقة استعدادًا لمرحلة ما بعد عصر النفط مستغلة النمو الذي تحقق جراء ارتفاع أسعار الطاقة وذلك كله من خلال صندوق الاستثمارات الذي بدت استثماراته تبرز بشكل جلي وطموح في أعرق الشركات العالمية التي يكون لديها جدوى على المدى البعيد وذلك بحكم ما تتميز به المملكة من مكانة وحكمة وحنكة وقبول وثقة سياسية هذا إلى جانب ما يتمتع به الاقتصاد السعودي بفضل الله من موثوقية وملاءة مالية مما أهَّــل المملكة بحق لتكون قطبا اقتصاديا عالميا من أقطاب مجموعة العشرين.

جامعة الملك سعود