من أولى أولويات رؤية المملكة 2030 ومنذ انطلاقها هو حرصها على معالجة ومحاربة الأفكار المتطرفة والأيديولوجيات الحزبية والحركية، وقد أدى ذلك إلى ضبط الخطاب الدعوي والبعد عما يثير الفتنة والفرقة أو يحض على العنف أو يروج لأفكار وافدة ذات مآرب سياسية تخريبية..
كانت اللحظة التاريخية الحاسمة حينما أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القضاء على التطرف ومشروع الصحوة وخطاب دعاة السياسة الأممي قائلاً: "استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة!"، وحينما قال "سنعود بالمملكة إلى الإسلام المعتدل" فالتقطت صحيفة الغارديان أهم رسالة سياسية عالمية في حديث سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
يدرك الباحث والراصد لحركات وجماعات الإسلام السياسي عموماً وجماعة الإخوان المسلمين تحديداً عظمت الدور الذي فعلته رؤية المملكة 2030 وكيف استطاعت من خلال تحقيق البعد الفكري لمنجزاتها ومشاريعها وبرامجها في تجاوز المملكة للخطورة الفكرية في التطرف والأيدولوجيات الإرهابية التي كانت موجودة في حقبة سابقة والقضاء على مشروع الصحوة ومن خلال ترسيخ الشعور بحس الوطنية وممارسة المواطنة بداخل الفرد السعودي؟
عانى مجتمعنا في حقبة زمنية مضت الكثير والكثير من ويلات الإرهاب بسبب سطوة الصحوة وتغلغل جماعة الإخوان الإرهابية في مفاصل العديد من المؤسسات وما كان يقوم به أدواتها ورموزها من دعاة السياسة وكشفت حقيقتهم أحداث ثورات الربيع العربي والتي استغلها دعاة السياسة وأصحاب المشروعات السياسية من تنظيمات ودول معادية وإرهابية وتخدم أجندتها السياسية من خلالهم وقبل إيقافهم وكف المجتمعات من شرورهم ومآربهم الإرهابية.
ولذلك كانت من أولى أولويات رؤية المملكة 2030 ومنذ انطلاقها هو حرصها على معالجة ومحاربة الأفكار المتطرفة والأيديولوجيات الحزبية والحركية، وقد أدى ذلك إلى ضبط الخطاب الدعوي والبعد عما يثير الفتنة والفرقة أو يحض على العنف أو يروج لأفكار وافدة ذات مآرب سياسية تخريبية، وهذا ما جعل كثيراً من وسائل الإعلام والصحف العالمية حتى من كان منها يهاجم المملكة حتى وقت قريب وآخرها تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست تناولت فيه كيف أصبح السعوديون أكثر فخراً بوطنهم.
إن القوة الثقافية والمناعة التسامحية والانفتاح الفكري الإيجابي على العالم تعمل على تدمير أغلال التطرف في المجتمع؛ وهذه التوليفة المضادة للتطرف والأفكار المتطرفة هي عَصَب عملية التنمية في أي مجتمع من المجتمعات، وكَوْن التنمية عملية متحركة، وعجلتها تدفع بالاستراتيجيات والمال والعمل، كانت في السابق في عصرٍ قد يحلو للسعوديين تسميته بعصر ما قبل القضاء على الصحوة والتطرّف تُغيظ رموز الصحوة وأنصارها أو مايُمكن نعتهم "بأعداء التنمية"!
كانوا يُرجفون المجتمع بإيهامه بأفكار يسعون من خلالها إيقاف عجلة التنمية والوقوف في طريقها، تختلف المحاولات، مرة نراهم يستخدمون المبررات الدينية لغرض ضرب مشروع أو هزّ فكرته، وتاراتٍ أخرى بتجييش المجتمع تحت يافطة الفساد وضياع المال العام وإهدار الثروة، يتحدثون في أمورٍ لا يفهمونها ولا يعرفون تفاصيلها، يظنّ بعض هؤلاء أن إجادته للوعظ تؤهله لأن يرسم خطط مستقبل البلاد.
كانوا يربطون مفرداتهم واتهاماتهم بالإسلام، وهذه عادة الحركيين، أنهم يجعلون كل أهواءهم وأغراضهم السياسية من أمر الإسلام ومن أحكامه، كما أن التنمية ليست تغريباً، إلا إن كانوا يريدون العودة بالمجتمعات التي تسير نحو التنمية إلى نمط عيش يشبه بدائية كهوف طالبان وسواها. تطوير وتنويع الاقتصاد، تطوير القضاء، وتطوير التعليم، وتطوير الصحة، بناء المدن الحالمة، والمشاريع السياحية غير المسبوقة، وكل ما يحقق جودة الحياة والترفيه وتطوير كل مجالات الحياة والإدارة هي ليست تغريباً بل هي حركة الحياة الطبيعية التي يجب أن تكون.
ولذلك ثمّن مثل سيمون هندرسون، الخبير في الشؤون الخارجية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تصريحات سمو ولي العهد في حوار نيوم قائلاً: "إن تصريحات ولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان، حول إعادة الإسلام في بلاده إلى الاعتدال كما في السابق، يعتبر تصريحاً غير اعتيادي حيث قال: "ما قاله الأمير محمد بن سلمان غير اعتيادي، فالإسلام في المملكة هو في الأصل معتدل ولكن يبقى سؤال كيف سيتمكن من إعادته لما كان عليه سيعتبر تحدياً نوعا ما"!
وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في تقرير لها عام 2017م، من أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "يعيد هندسة المملكة"، ورغم أن الهندسة الاجتماعية هي عمل صعب جداً، وليس سهلاً، وفشلت فيه عدة دول، إلا أن الأمر اختلف في السعودية!
إن القرارات التي قد يرى البعض سهولتها أو عاديّة اتخاذها في مجتمعات أخرى هي ليست كذلك في مجتمعات كلفة التغيير الفكري فيها باهظة، وتتطلّب قيادة شجاعة قادرة على القفز بهذا المجتمع في أفق ومدارات التنمية بحيث يصبح لا حدّ للطموح وفي ذات الوقت بطريقة آمنة!
كل قرار شجاع خلفه قائد شجاع؛ استطاع أن يقفز بمجتمعه ويسهم في تغيير فكر ذلك المجتمع، وعتقه من الأسباب المجتمعية التي تمنعه من عدم مواجهة فكرة تعطّله عن إحراز التقدم أو المسايرة التنموية العالمية.
فقد أثبت المجتمع السعودي للعالم أجمع بأنه هو دينمو التغيير الذي قاده عرّاب التغيير وعرّاب الرؤية فالمجتمع السعودي مؤيد بشكل كبير للإصلاحات الجديدة وطريقة عمل ولي العهد، ويتضح كل ذلك من ردة فعل المجتمع "المتفائلة" وثقة السعوديين المطلقة والتي مكنتهم حسب التقرير الذي نشرته إيدلمان باروميتر 2021 السعودية تحتل المركز الأول بين دول العالم في ثقة السكان بحكومتهم وقيادتهم وعراب رؤيتهم، وهم اليوم أكثر فخراً ببلادهم واعتزازاً، وجادون في بناء بلادهم بأنفسهم عند الحديث مع المواطنين السعوديين حول رؤية 2030 يرددون "سوف ندهش العالم"!
هذه الدهشة حقيقةً لم تكن حكراً على السعوديين فحسب.
الدهشة ارتسمت على ريتشارد كويست مذيع شبكة CNN والذي زار المملكة مؤخراً وكتب"رأيت البلدان وهي تتغيّر من قبل، لكنني لا أعتقد أنني رأيت شيئاً يشبه التغيير الذي يحدث في المملكة العربية السعودية"!
اليوم ونحن نسابق الزمن مع رؤية المملكة 2030 من المفارقات الساخرة أن جماعة الإخوان الإرهابية ظلت لعشرات السنين تقول انتظروا عام 2023 وها قد أتى عام 2023 ولكن الذي وقع وحصل أنه تم القضاء على حلم مشروع إرهابي عمل عليه هذا التنظيم الإرهابي وأدواته عشرات السنين وقضى عليه في ظرف عام واحد! فإذا كان في عام 1979م هو ميلاد مشروع الصحوة؛ سيدون التاريخ أن عام 2017م شهد إعلان القضاء الصحوة ومشروع الإخوان في المنطقة على يد قائدٍ عظيم حينما قال: 70 % من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم، لأننا نريد أن نعيش حياة طبيعية تترجم مبادئ ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، ونتعايش مع العالم ونساهم في تنمية وطننا والعالم".
التعليقات