أظهر البيان الإحصائي السنوي لعام 2022 الصادر عن تداول أن مكررات الربحية لسوق الأسهم الرئيسة (تاسي) تراجعت بحوالي 51 % عن أعلى مكرر سُجل في شهر مارس الماضي وبدأت السنة الجديدة والمؤشر يتداول عند مكرر 12.44 وهذا من أقل المكررات بين الأسواق العالمية، وهو ما فتح فرص جديدة في السوق السعودية للمستثمرين ولذلك لا حظنا زيادة مشتريات الأجانب خلال الربع الأخير بعد تراجع طفيف في الربع الثالث، وخلال عام 2022 تجاوز صافي مشتريات المستثمرين 43 مليار ريال مقارنة مع 25 مليار ريال في عام 2021 بنسبة نمو بلغت 70 % وهذه الأرقام القوية تعطينا مؤشرا بأن ثقة المستثمرين الأجانب في السوق السعودية لم تتأثر بالمشكلات الاقتصادية التي تحدث في العالم من تضخم وأسعار فائدة مرتفعة وركود محتمل بل دفعت المستثمرين الأجانب إلى الشراء في السوق السعودية كأحد الأسواق المالية التي يدعهما اقتصاد قوي ورؤية اقتصادية واعدة وعلى سبيل المثال شهدت السوق السعودية أسوأ أداء لها خلال الربع الأخير من العام الماضي 2022 حيث تراجع مؤشر تاسي بنسبة 9 % وتراجعت قيمة الأسهم المتداولة بنسبة 43 % عن الربع الأول، أما المستثمرين الأجانب فقد زادت مشترياتهم حيث تجاوز صافي المشتريات في الربع الأخير 11 مليار ريال، مما يعني أن المستثمر الأجنبي لديه ثقة ورؤية مبنية على معطيات أكثر واقعية بينما المستثمر السعودي يخرج من السوق بسبب الخوف، السوق السعودية بالرغم من زيادة عمق السوق و قيمة الأصول المدارة من قبل المؤسسات المالية إلا أن السلوك الاستثماري للأفراد لا يزال مسيطرا وتؤثر القرارات العاطفية على اتجاه السوق وهذا يتطلب جهدا كبيرا من هيئة السوق المالية السعودية لتحويل السوق المالية من سوق يغلب على تداولاتها السلوك الفردي إلى سوق مؤسساتية تزيد من استقرار السوق، ليس من المنطق أن تكون نسبة 80 % من التداولات اليومية بيد المستثمرين الأفراد ونحن نتطلع أن تكون لدينا سوق مالية ضمن أكبر 10 بورصات عالمية، وما حدث للسوق السعودية خلال الربع الأخير من عام 2022 من انفصال عن أسعار النفط ومؤشرات الأسواق العالمية ونمو الاقتصاد السعودي وتراجع مستويات التضخم وزيادة معدلات التوظيف يوضح بما لا يدع مجالا للشك بأن السوق السعودية تتحكم فيها مزاجية الأفراد وليس للأرقام الاقتصادية أي تأثير عليها وهذا يحدث أيضا عند الارتفاعات حيث نجد دخولا قويا للأفراد مع توصيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تستند إلى أي تحليلات منطقية.
الاكتتابات الجديدة لا شك أنها جزء من المشكلة التي حدثت للسوق السعودية حيث استقبلت السوق الرئيسة 17 طرحا جديدا تجاوزت قيمتها 37 مليار ريال بينما استقبلت السوق الموزاية (نمو) 31 طرحا ما بين اكتتاب وإدراج مباشر، أما عملية التسعير فإن معظم الاكتتابات تم تسعيرها بالحد الأعلى وإذا استثنينا بعض الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة فإن التسعير كان مبالغا فيه، ولذلك يجب إعادة النظر قي آلية التسعير التي تعتمد على تقييم المستشار المالي الذي يضع نطاقا سعريا محددا، ويجب أن يخضع التسعير للتقييم الذي يراه المستثمرون عادلا ويحقق أهدافهم الاستثمارية، وأعتقد أن الفترة القادمة سوف يكون سعر الاكتتاب هو العامل الرئيس الذي يحدد تغطية الاكتتاب من عدمه وقد تشهد السوق الغاء بعض الادراجات التي لم تسعر كما يريد المساهمون البائعون، ولا شك أن المؤسسات المالية كانت سببا في التسعير العالي لأن نظرتها للاكتتابات كانت مقتصره على ارتفاع السعر بعد الإدراج والتخارج من الأسهم بمكاسب قد تصل إلى 30 % أما مع التراجع السعري للأسهم المُدرجة مؤخرا وتكبد المؤسسات المالية خسائر كبيرة ربما تعيد نظرتها في تقييم الاكتتابات الجديدة.
تحليلي للسوق السعودية هذا العام، أعتقد أن المؤشر سوف يكون في مسار أفقي على الأقل خلال النصف الأول، أما النصف الثاني قد تشهد السوق السعودية ارتفاعات قوية بشرط أن تكون أسعار النفط في نطاق ما بين 80-90 دولارا للبرميل وتوقف الفيدرالي الأمريكي عن تشديد السياسات النقدية وعدم حدوث ركود حاد في الاقتصادات الكبرى، ولذلك قد يكون من المناسب للمستثمرين اقتناص الفرص الاستثمارية التي أوجدتها التراجعات الأخيرة من خلال دراسة أساسيات السهم والنظرة المستقبلية له وارتباطه مع رؤية المملكة 2030 وهذا قد يكون أفضل للمستثمرين الذين لديهم قدرة على تحمل المخاطر والصبر عليها حتى تتلاشى أما المستثمرين الذين ليس لديهم القدرة على ذلك فإن الخيار الأفضل لهم هو الاستثمار في الأصول منخفضة المخاطر مثل الودائع الزمنية أو الصكوك والسندات.

التعليقات