حمل خليل الرواف الرقم "واحد" كمهاجر إلى أميركا بعد قيام الدولة السعودية الثالثة، واتفاقية المملكة وأميركا بشأن هجرة مواطني البلدين، لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية وليس معه ما يكفي من النقود، ومع هذا بقي في أميركا أربعة عشر عاماً، حافلة بالكثير من الأحداث والإنجازات..

مغامر لا يستقر به مقام، عاش قرناً كاملاً ليكون شاهداً على أحداثه، ولد في العام 1895 وتوفي في العام 2000، من أسرة كريمة من قلب نجد، ولد في دمشق، وامتهن تجارة آبائه وأهل بلده، العقيلات الذين امتهنوا التجارة، ومنها تجارة الإبل، وتنقلوا بين الشام والعراق ومصر مروراً بفلسطين وانتهاء بالقصيم، مارس صاحبنا التجارة معهم، ثم التقى في بغداد بسيدة أميركية أحبته وأعجبت بأنفته وأخلاقه، فتزوجا، وسافرا معاً إلى أميركا، ثم تركها بعد عام من وصولهم. إلى لوس أنجلس ليصبح ممثلاً لشيخ عربي في هوليوود مع الممثل الأميركي المشهور جان وين، ثم تزوج أميركية ثانية وأنجب منها ابنه نواف. صاحب الأمراء والملوك وأصبح مصدر ثقتهم، مارس التجارة في نيويورك وفي جدة، ذلك هو المغامر الذي لا يستقر على حال هو الشيخ خليل الرواف.

تاريخ حافل سطره في كتاب يزيد على الست مئة صفحة، سيرة ذاتية ممتعة فيها الكثير من العبر، والجميل أنه كان يسجل كل ما يمر عليه من أحداث وأشخاص وأماكن في أوراقه الخاصة، وكأنه ينوي وضعها في كتاب.

عاش ووالده الشيخ إبراهيم الرواف وعمه وإخوته في دمشق التي أحبها من كل قلبه ووصف جمالها الأخاذ، وعايش حكم الأتراك قبل أن تغرب شمسهم، فكان شاهداً على الظلم وكيف يساق الشباب إلى ساحات المعركة في الحرب العالمية الأولى، وعاش بدايات احتلال فلسطين، وقابل بعض زعمائها العرب، أعجب كثيراً بالملك عبدالعزيز وقابله في مكة وفي الرياض مراراً، وأثنى عليه في أكثر من موضع في الكتاب، أمضى بعض الوقت مع والده متنقلاً بين الشام والعراق والكويت والزبير، ثم حائل عند أميرها ابن رشيد، محطات كثيرة توقف بها ولم يستقر بها كثيراً، فقد كان حب المغامرة يجري في دمه.

حمل الرقم واحد كمهاجر إلى أميركا بعد قيام الدولة السعودية الثالثة واتفاقية المملكة وأميركا بشأن هجرة مواطني البلدين، لم يكن يعرف اللغة الإنجليزية وليس معه ما يكفي من النقود، ومع هذا بقي في أميركا أربعة عشر عاماً، حافلة بالكثير من الأحداث والإنجازات، فقد طاف وزوجته الأولى معظم الولايات الشرقية، واطلع على جمال طبيعة أميركا وتنوعها. وحين ملّ من الترحال واشتم رائحة التفضل عليه من زوجته هجرها إلى مدينة هوليوود في لوس أنجلس، ليصبح ممثلاً كشيخ عربي. ولأن أجواء هوليوود لا تناسبه من حيث السلوك والممارسات هجرها إلى العمل الحر ثم العودة إلى نيويورك، التحق بالجيش الأميركي كمتطوع في الحرب العالمية الثانية، لكنه أيضا لم يستسغ ذلك وترك الجيش بعد معاناة معهم. ورغبة منه في نشر اللغة العربية والدين الإسلامي فقد أسس أكثر من مدرسة ومسجد، وكان المعلم والإمام حين لا يجد من يقوم بذلك، لقد ترك أثراً طيباً بين الجاليات العربية، واللبنانية ومنها بشكل خاص، وأقام العلاقات والصداقات التي استمرت سنوات حتى بعد تركه أميركا.

رافق الأمراء في زياراتهم لأميركا، وصاحب الأمير فيصل بن عبدالعزيز في عام 1945 الذي حضر إلى سان فرانسسكو للتوقيع على وثائق الأمم المتحدة ومعه عدد من الأمراء، وفي المملكة عمل بالتجارة ورافق الأمير طلال بن عبدالعزيز وأثنى عليه كثيراً، ووجه شكره الخاص لذلك الأمير الكريم بماله وأخلاقه ونبله أحمد بن سلمان بن عبدالعزيز - رحمه الله -، والذي تولى برعايته طبع ونشر وتوزيع الكتاب.

محطات كثيرة ومغامرات لا تتوقف في حياة هذا العربي النبيل، لا يمكن تغطيتها أو الإحاطة ولو بجزء منها في هذه العجالة، من أهمها لقاؤه ابنه نواف في فلوريدا بعد أن غاب عنه مدة خمس وأربعين سنة، وانقطعت أخباره، وغيرت أمه اسمه الأول ونسبته إلى زوجها الثاني، بعد عودته إلى المملكة تزوج للمرة الثالثة ورزق ببنتين هما الطبيبة آسيا التي رافقتنا إلى جبل إيفيرست في الهملايا، وابنته الثانية الأستاذة حليمة.

سألوه عن سرّ تمتعه بالصحة وعمره المديد فأجاب أنه بسبب انشغاله في كثير من الأمور، فلا مجال للملل والفراغ، فوقته مشغول بالقراءة والكتابة والعبادة أو السفر، وحضور مجالس الأقارب والأصدقاء، وسماع الموسيقى والأغاني التي فيها كلمات جميلة وعميقة في معناها.

الكتاب في طبعته الثانية ويبدو أنه إلى نفاد، وأتمنى أن تعاد طباعته وتعميمه لما يحويه من متعة ودروس وعبر، كم هو جميل أن يسجل المرء تجاربه التي تبقى دروساً لمن بعده، وإلا ستختفي ويطويها النسيان، وكما يقول المثل: "إذا مات شيخ كبير ماتت معه مكتبة كبيرة".