هناك صراع ثقافي بين الأجيال القديمة -أجيالنا وأجيال من قبلنا- وبين الأجيال الجديدة، مواليد التسعينات، وما بعدها. الأجيال الجديدة تفكر بطريقة مغايرة تماماً عن تفكيرنا، لأن كثيراً منا لا يزال ينظر للمشهد الثقافي من خلال ما عاشه هو، وقدم في فترة شبابه، وقد كان في السابق يمكن لمن هم أنصاف مثقفين أو قليلو الاطلاع، والمهنية أن يتصدروا المشهد، اليوم باتت الاحترافية مطلباً، والجودة هدفاً، وأقصد هنا في ميادين العمل المختلفة، خلاف ما يحدث في السوشل ميديا التي سيأتي الحديث عنها.

حديثي عن الوسط الثقافي والأوساط العملية والمهنية التي لا مكان اليوم بها لأنصاف المثقفين، أو المتعالمين، فهناك واقع مختلف قد تشكل، المشكلة أن كثيراً من أجيالنا غير قادرين على مواكبة تلك التغيرات المتسارعة، وإن كان البعض قد تمكن من مواكبتها تقنياً وإلكترونياً، لكن نظل نعاني من عدم القدرة على المواكبة الفكرية، وعدم تقبل الجديد.

هذا على مستوى الطرح الفكري والثقافي، وعلى مستوى الأداء المهني الذي أصبح اليوم لا يقبل الأشخاص الضعفاء مهنياً أو المتراخين عملياً أو الكسالى، مما يضع أبناءنا في محك خطير، يجعلهم أمام واقع يفرض عليهم التأهيل الجيد، حيث يبرز أصحاب المواهب الخلاقة، وأصحاب الأفكار الإبداعية ليتصدروا المشهد، وهنا لا أقصد بالإبداعي الإنتاج الفكري والأدبي فحسب، بل في كافة المجالات.

أما فيما يخص السوشل ميديا فالواقع مغاير، حيث أتاحت المجال لجميع البشر أن يعبروا، وأن يقدموا ما لديهم دون قيود، أو حدود، أو معايير، أو ضوابط، وبات الكل "يهرف بما لا يعرف" كما يقال، ومن يعرف أيضاً عليه أن "يهرف" ليكون مواكباً للواقع الجديد، ولما يقدم ويطرح، لهذا نجد اليوم شخصيات مثلت بالنسبة للمجتمع قامات أو قدوات، منهم مثقفون أو شيوخ دين أو غيرهما، سقطوا في مستنقع السوشل ميديا بهدف تحقيق الشهرة والانتشار وإثبات الوجود، وبعضهم اضطر أن يقدم تفاهات أو سخافات من أجل أن يواكب هذا الواقع الجديد، وتلك هي المأساة.

أنا على يقين بأن هذا الواقع الجديد كفيل بتشكيل ثقافة جديدة، وتشكيل مجتمعات كونية متقاربة من حيث الأدلجة، والسلوك والقيم، فهناك قيم جديدة تتشكل اليوم ربما لن يتمكن بعضنا من التعايش معها، إما لكونه يرفضها أو لكونها سوف تظهر بشكل واقعي متأخرة خلال عقد من الزمان.