من السهل أن تُطلق المبادرات المحورية وتعلن المستهدفات الطموحة، لكن من الصعب أن تنجح في التطبيق وفي الموعد المحدد أيضاً! بيد أن هذا ما حققته هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في مبادرة "الفوترة الإلكترونية"، بكل فاعلية واقتدار.
بدأت القصة قبل نحو عامين حينما أعلنت الهيئة عن خطتها الطموحة نحو تحويل إصدار الفواتير والإشعارات الورقية إلى عملية إلكترونية، بدلاً من الواقع السابق المعتمد على الفواتير الورقية، مما يسمح بتبادل الفواتير والإشعارات المدِينة والدائنة ومعالجتها بصيغة إلكترونية منظمة بين البائع والمشتري بتنسيق إلكتروني متكامل، يقود نحو رفع كفاءة الأعمال ويعزز حماية المستهلك.
دُشن مشروع "الفوترة الإلكترونية" وحُدد تطبيق مرحلته الأولى في ديسمبر 2021م، وهي مرحلة الإصدار والحفظ، والتي تُلزم المكلفين الخاضعين للائحة الفوترة الإلكترونية بالتوقف التام عن استخدام الفواتير المكتوبة بخط اليد أو الفواتير المكتوبة بأجهزة الكمبيوتر عبر برامج تحرير النصوص أو برامج تحليل الأرقام، بالإضافة إلى توفير حل تقني للفوترة الإلكترونية متوافق مع متطلبات الهيئة، وأيضاً إصدار وحفظ الفواتير الإلكترونية بكافة العناصر، ومنها رمز الاستجابة السريعة، وغيرها من المتطلبات الفنية.
الرائع أن المرحلة الأولى لتطبيق الفاتورة الإلكترونية شهدت مستوى التزام تخطى نسبة 90 % من المكلفين، بل "إن جميع المكلفين قد تجاوبوا مع متطلبات الهيئة" حسب تصريح متحدث هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، مما يؤكد أهمية المشروع وأثره الإيجابي على بيئة الأعمال ورقمنتها.
ثم استكملت مسيرة الفوترة الإلكترونية منتصف هذا العام حينما أعلن عن بدء إجراءات المرحلة الثانية، وهي "مرحلة الربط والتكامل"، بهدف ربط وتكامل أنظمة الفوترة الإلكترونية الخاصة بالمكلفين مـع نـظام الـهـيـئـة "فاتورة"، ثم الأهم وهو تطبيق هذه المرحلة بعد أسبوعين، أي مع بداية العام القادم 2023م، مع المنشآت التي جرى اختيارها ضمن المجموعة الأولى، بناءً على معيار حجم الإيرادات الخاضعة لضريبة القيمة المضافة للعام الماضي وتتجاوز إيراداتها ثلاثة مليار ريال، وذلك بعد استكمال تلكم المنشآت جميع المتطلبات اللازمة.
المرحلة القادمة تستلزم متطلبات إضافية عن المرحلة السابقة، مثل ربط أنظمة الفوترة الإلكترونية الخاصة بالمكلفين مع نظام الهيئة، وإصدار الفواتير الإلكترونية بناءً على صيغة محددة، وتضمين عدد من العناصر الإضافية في الفاتورة. وسوف تكون بشكـل تـدريـجـي وعـلى مـجـمـوعات، غير أن ذلك يضع على عاتق الهيئة بذل المزيد من إنتاج ونشر البرامج التوعوية والتعليمية، حتى يتمكن قطاع الأعمال من فهم وإدراك وتطبيق المتطلبات، خصوصاً خلال مراحل التطبيق على المنشآت المتوسطة والصغيرة.
هذا النجاح في إطلاق ثم تطبيق "الفوترة الإلكترونية" وتجاوب قطاع الأعمال، يؤكد أن وضوح الهدف وتأثيره الإيجابي على تطوير بيئة الأعمال، والأهم التدرج المجدول في التطبيق يعزز من النجاح والاستمرار، ويجعلها قصة نجاح يجب أن تستفيد منها الجهات الحكومية الأخرى.
التعليقات