الوصف أعلاه ليس من إنشائي، بل هي جملة ردّ بها أستاذ المعلقين العرب أكرم صالح -رحمه الله- خلال إحدى لقاءاته الصحفية عن رأيه ببعض المعلقين.. وما أعادها إلى مخيلتي هو المقال الجميل الذي كتبه الزميل أمجد المنيف قبل أيام في هذه الصحيفة الرصينة عن المعلقين والتعليق.. وفيه رأى في التعليق على المباريات فنا جميلا وعبارات.. جدير أن توثّق.

وأشد على يد الزميل العزيز، وأقول عربيا لدينا معلقون من فئة المثقفين الممتعين، ممن يجعلونك متشبثا بالمباراة من البداية وحتى النهاية، ولنا في الكعبي وخليف والعتيبي والشوالي والبلوشي وشلبي مثلا قائما بقدرتهم على جعل المباراة لوحة جميلة الكل يرغب في مشاهدتها وتتبع أحداثها حتى لو لم يحسن اللاعبون تقديمها بشكل جيد، في المقابل هناك من هم دون ذلك حتى أن بعضهم أقرب إلى المهرج منه إلى المعلق؟!

أقول إن هناك فاصلا إذا تجاوزه المعلق أصبح مهرجاً.. أجزم بذلك لأن ليس هناك مباراة استمتعنا بها إلا كان خلف ذلك معلق مبدع، منح مستمعيه الكثير من الإثارة والتشويق ينتقي كلماته ويعتني بعباراته.. لذا كانت هناك كلمات وأوصاف ظلت خالدة عبّرت عن اللاعب أو الحدث بأفضل كلمات، ولن نبتعد كثيرا عن كأس العالم الجاري في قطر ونحن نرى القيمة العالية المصاحبة لمنافساتها بعد أن ارتبطت الإثارة والمتعة الكروية بالنقل الرائع وبالتعليق والوصف المثاليين.

التعليق على المنافسات بلغ مرحلة الاحترافية والإبداع والقنوات تتنافس على المتميزين منهم كما هو بحث الأندية عن اللاعبين الموهوبين.. ونشدد هنا على المبدعين المثقفين انطلاقا من مواصفات يجب توافرها بمن يريد أن يكون منهم أهمها الذهن المتقد المنطلق من ثقافة ومعلومات ثرية عن الحدث الذي هو بصدده.. ناهيك عن صوت جيد مقبول يزينه بالبعد عن الألفاظ المتقعرة.. مع البعد عن المجاملة السمجة والتملق والعمل على نقل الحدث صوتا بحيادية ومنطق.. والأهم من كل ذلك القبول من لدن المشاهدين مع تغليب الحياد.

جانب مهم في مهمة التعليق الكروي، شخصيا لا أجد أي شيء أكثر صفاقة وسماجة من أن ينحى المعلق إلى تغليب العاطفة على حقيقة الحدث، وهو ما يفعله كثير من معلقينا حين المواجهات الخارجية للأندية والمنتخبات، لكي يثبتوا ولاءهم أو انتماءهم، ولا بد من الصراخ والتفاعل المبالغ فيه كي ننتصر ونرضى عن المعلق، كذلك الأمر نفسه حينما يريد أن يكون حيادياً في المدح أو التقريع في ظل منافسة ظاهرة المعالم والتفضيل، فيضيع بين المجاملة والخوف من النقد، وفي كلا الحالتين يسقط المعلق.

ختام القول إن التعليق الرائع أصبح فنا لا يدركه إلا القلة، ورحم الله أكرم صالح لأن "ليس كل من صفّ الصواني حلواني"، فهناك كثيرون أرادوا صفّها ووصفها فعبثوا بمحتواها.